Page 234 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 234

‫العـدد ‪37‬‬          ‫‪232‬‬

                                                           ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬    ‫ومن مجايليه حول الحرب‬
                                                                            ‫العالمية الثانية التي دار‬
‫من عشرين بيتًا من الطين‬        ‫أن يمسك برئيس حكومة‬
‫والقصب مشيدة على ضفة‬              ‫بولندا يعصره عص ًرا‪.‬‬                 ‫فصل منها في القطر المصري‬
                                      ‫اليوم هو الخامس‬                    ‫عند مدينة العلمين‪ ،‬معارك‬
   ‫نهر ذي مياه صافية‪.»..‬‬
 ‫ونجيب محفوظ في ملحمة‬          ‫والعشرون من أغسطس‪،‬‬                      ‫جحيمية أحالت الرمال جم ًرا‬
‫الحرافيش‪« :‬في ظلمة الفجر‬      ‫الجو صحو فوق برلين‪.»..‬‬                        ‫وأصبحت السماء تمطر‬
                               ‫من السحر الروائي جاءت‬
   ‫العاشقة‪ ،‬في الممر العابر‬  ‫هذه الافتتاحية التي تذكرنا‬                  ‫الحمم والنيران‪ ،‬اختار بدء‬
   ‫بين الموت والحياة‪ ،‬على‬     ‫بأساتذة الفن الكبار‪ ،‬الذين‬               ‫تأريخه الفني للمدينة انطلا ًقا‬
‫مرأي من النجوم الساهرة‪،‬‬                                                ‫من فترة مفصلية حاسمة من‬
   ‫علي مسمع من الأناشيد‬           ‫يخلقون اللحظة الفنية‬
 ‫البهيجة الغامضة‪ ،‬طرحت‬         ‫مباشرة وبتلقائية كميلاد‬                   ‫القرن العشرين‪ ،‬وهي التي‬
  ‫مناجاة متجسدة للمعاناة‬       ‫فجر جديد أو اختفاء وجه‬                      ‫ترتبت على نتائجها عالمنا‬
    ‫والمسرات الموعودة في‬       ‫القمر تحت سير السحاب‬
                              ‫أو ارتداد موجة إلى حضن‬                    ‫الحالي‪ ،‬فبعد العلمين اختفت‬
                ‫حارتنا»‪.‬‬         ‫البحر‪ ،‬ها هو تولستوي‬                       ‫الإمبراطوريات العجوز‬
 ‫وفلوبير في مدام بوفاري‪:‬‬
                                 ‫يبدأ أنا كارنينا‪« :‬الأسر‬               ‫(بريطانيا‪ -‬فرنسا‪ -‬وانهار‬
  ‫«كنا في حجرة الدراسة‪،‬‬            ‫السعيدة كلها تتشابه‬                      ‫طموح ألمانيا)‪ ،‬وظهرت‬
  ‫عندما دخل الناظر يتبعه‬           ‫أسباب سعادتها‪ ..‬أما‬
‫تلميذ جديد لا يرتدي الزي‬          ‫العائلات التعيسة فإن‬                   ‫دول شابة لها تفكير جديد‬
  ‫المدرسي‪ ،‬وفراش يحمل‬             ‫لتعاسة كل منها سببًا‬                    ‫وأساليب مغايرة (الاتحاد‬
‫قمط ًرا كبي ًرا‪ ،‬فاستيقظ من‬
   ‫كان نائ ًما‪ ،‬وانتصب كل‬      ‫خا ًّصا يختلف عن أسباب‬                         ‫السوفييتي‪ -‬الولايات‬
   ‫منا واق ًفا‪ ،‬وكأنه فوجئ‬               ‫تعاسة غيرها!‬                                    ‫المتحدة)‪.‬‬
  ‫علي حين غرة برقيب على‬
                             ‫وقد كان كل شيء مضطر ًبا‬                    ‫يسافر عبد المجيد في الزمان‬
                   ‫عمله!‬           ‫في أسرة أوبلونسكي‪،‬‬                        ‫والمكان إلي برلين‪ ،‬أول‬
‫وأشار إلينا الناظر بالعودة‬         ‫فالزوجة اكتشفت أن‬
                                                                           ‫شخص نقابله في الرواية‬
  ‫إلي الجلوس ثم التفت إلى‬    ‫زوجها على صلة آثمة بفتاة‬                       ‫الفوهرر النازي أدولف‬
   ‫المدرس قائ ًل في صوت‬       ‫فرنسية كانت تعمل مربية‬                       ‫هتلر‪ ،‬ويضعنا علي الفور‬
  ‫خفيض‪« :‬مسيو روجيه‪،‬‬         ‫لدي الأسرة‪ ،‬وقد صارحته‬
                               ‫الزوجة بهذا النبأ وأنذرته‬                ‫في جوه الروائي منذ الفقرة‬
                             ‫بأنها لن تستطيع الاستمرار‬                   ‫الأولي كعادة الأدباء الكبار‬
                              ‫في العيش معه تحت سقف‬                      ‫في الأدب العالمي‪« :‬كان هتلر‬
                                                                       ‫يدور حول مبني المستشارية‬
                                              ‫واحد‪.»..‬‬                   ‫في برلين‪ ،‬عاق ًدا يديه خلف‬
                                   ‫وماركيز في مائة عام‬                 ‫ظهره‪ ،‬منحنيًا قلي ًل‪ ،‬في حالة‬
                                ‫من العزلة‪« :‬بعد سنوات‬                  ‫من التأمل العميق‪ ،‬لكنه أي ًضا‬
                                    ‫طويلة وأمام فصيلة‬                    ‫زم شفتيه مما أبرز شاربه‬
                             ‫الإعدام‪ ،‬سيتذكر الكولونيل‬                     ‫محد ًبا قلي ًل‪ ،‬وفتح عينيه‬
                                  ‫أوريليانو بوينديا ذلك‬                 ‫في غضب ازداد لمعانهما‪ .‬في‬
                             ‫المساء البعيد الذي أخذه فيه‬                 ‫الحقيقة كاد صدره ينفجر‬
                                ‫أبوه للتعرف على الجليد‪.‬‬
                              ‫كانت ماكوندو آنذاك قرية‬                      ‫ورأسه‪ ،‬وهو ذاهل تما ًما‬
                                                                         ‫عن حراس المبني الواقفين‪،‬‬
                                                                        ‫وحراسه هم الذين يدورون‬
                                                                        ‫خلفه‪ ،‬كان يفكر لو يستطيع‬
   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239