Page 118 - ميريت الثقافية- العدد 21 سبتمبر 2020
P. 118

‫العـدد ‪21‬‬                              ‫‪116‬‬

                                       ‫سبتمبر ‪٢٠٢٠‬‬

       ‫أحيا ًنا في مجال قراءة التراث‪.‬‬    ‫مما يبرر لاستخدام مفاهيم التحليل‬     ‫المتمحورة على ذاتها ولا تتعاطى مع‬
    ‫ثم يتناول طرابيشي موقف حسن‬            ‫النفسي لطرابيشي‪ ،‬لتحليل نفسية‬         ‫العالم المحيط الخارجي موضوعيًّا‪،‬‬
 ‫حنفي من الغرب‪ ،‬ومفهومه وتصوره‬          ‫حنفي من خلال دراساته عن التراث‪،‬‬         ‫بل تتعاطى معه «من خلال مقولات‬
  ‫عما يسميه حنفي «علم الاستغراب»‬
                                             ‫ويذكر أنه رغم أن حسن حنفي‬        ‫نفسية ووجدانية‪ ..‬علاقات حب وكره‬
      ‫‪-‬الذي يراه طرابيشي مستحيل‬            ‫لم يكتب مباشرة أي سيرة ذاتية‬        ‫لا علاقات معرفة»‪ .‬ويأخذ طرابيشي‬
  ‫التحقق‪ -‬في مقابل علم الاستشراق‬         ‫‪-‬في وقت كتابة طرابيشي الدراسة‬
‫لتصبح العلاقات الحضارية في تحليل‬          ‫وإن كانت هناك نصوص منشورة‬              ‫من جهد «جان بياجية» أن التفكير‬
   ‫طرابيشي علاقات أشبه بالعلاقات‬           ‫لحنفي وقتها كثيرة‪ ،-‬فإن حنفي‬       ‫المنطقي مؤشر على الدخول في سن‬
  ‫الجنسية‪ ،‬والاستقبال فيها «استقبال‬      ‫في لقاءات عديدة كان يشير إلى أن‬      ‫الرشد‪ .‬ويستنتج من ذلك أن البالغين‬
  ‫مهبلي وربما أي ًضا شرجي»‪ ،‬والذي‬        ‫مؤلفاته «بعض وقائع حياته»‪ ،‬فمن‬       ‫الذين لا يفكرون تفكي ًرا منطقيًّا‪ ،‬فهذا‬
 ‫يؤول إلى «خصاء»‪ ،‬وأن هذا التصور‬           ‫هنا قال طرابيشي بأننا «نستطيع‬       ‫علامة على «نكوص نفسي» عندهم‪،‬‬
                                       ‫قراءة مؤلفات صاحب مشروع التراث‬         ‫فهم يعيشون وهم أن لهم قدرة كلية‪،‬‬
     ‫هو ما وراء محاولة حسن حنفي‬           ‫والتجديد كما لو أنها سيرة ذاتية»‪.‬‬
 ‫تأسيس «علم الاستغراب‪ ،‬فالغاية من‬       ‫ويعتمد فقط على موقفين شخصيين‬            ‫وعندهم عملية إحياء نرجسي لهذه‬
‫هذا العلم نفسية قبل أن تكون عملية»‪.‬‬     ‫ذكرهما حنفي في هوامش نصوصه‪،‬‬                       ‫القدرة الكلية ال ُمفتقدة‪.‬‬
 ‫وليستعرض طرابيشي أخطاء حنفي‪:‬‬               ‫استخدمهما طرابيشي واستكمل‬
 ‫عن المسيحية ولاهوتها‪ ،‬وأخطاءه في‬        ‫الفصل بتحليل بعض مؤلفات حنفي‬          ‫ويعتمد طرابيشي على مفاهيم ثلاثة‬
‫تناول العصور القديمة والحديثة‪ .‬وفي‬                                               ‫من المحللين النفسيين‪ ،‬ليفسر من‬
 ‫رأيه أن حنفي يعتمد على مصادر من‬                  ‫على أنها سيرة ذاتية له‪.‬‬        ‫خلالها التناقض عند حسن حنفي‬
‫يد ثانية وثالثة‪ ،‬وقد شك طرابيشي في‬       ‫ليأخذ من موقف لحسن حنفي وهو‬           ‫نفسيًّا‪« :‬فالتناقض هو شكل التفكير‬
 ‫اطلاع حنفي على هذه الكتب الأمهات‬      ‫طالب وكان أستاذه عثمان أمين يعطي‬              ‫النكوصي‪ ،‬بينما الهلوسة هي‬
 ‫التي يشير إليها‪ ،‬وأن حنفي لا يحسن‬      ‫أهمية لمحمد عبده‪ ،‬فكتب حنفي على‬
                                          ‫السبورة قبل دخول الأستاذ عبارة‬      ‫مضمونه»‪ .‬فالحقيقة عند حسن حنفي‬
   ‫الترجمة ليس لأنه لا يعرف اللغات‬     ‫أقرب إلى‪ :‬أحب محمد عبده لكن حبي‬         ‫في نظر طرابيشي حقيقتان‪« :‬حقيقة‬
   ‫التي يقول إنه يعرفها‪ ،‬بل لأنه ليس‬      ‫للإسلام أعظم‪ .‬فيحللها طرابيشي‪،‬‬       ‫مطابقة لموضوعها وتلك هي حقيقة‬
                                       ‫بأن تصور حنفي للعلاقة بين الأستاذ‬       ‫الفيلسوف‪ ،‬وحقيقة مطابقة لرغبتها‬
               ‫مترج ًما متخص ًصا‪.‬‬      ‫كمر ِسل والتلميذ كمتل ٍّق هي علاقة في‬
  ‫في محاولة حنفي مواجهة المركزية‬          ‫حضارة أبوية مثل حضارتنا تأخذ‬          ‫وتلك هي حقيقة النبي»‪ .‬وعلى هذا‬
 ‫الغربية بمركزية إسلامية‪ ،‬يستعرض‬                                                ‫الأساس يعود جورج طرابيشي في‬
                                           ‫«صيغة جنسية بامتياز»‪« ،‬صيغة‬           ‫قراءة التناقضات التي استعرضها‬
     ‫طرابيشي كيف أن حنفي يحاول‬         ‫التأنيث والتذكير»‪ .‬من هنا إنكار حنفي‬
    ‫القضاء على المركزية الغربية بما‬                                                ‫ُمسب ًقا‪ .‬حيث إن التناقض ليس‬
  ‫في هذه العملية من «انتقامية داخله‪،‬‬     ‫تأثره بأحد من الغربيين وخصو ًصا‬         ‫في ذات الشيء‪ ،‬لأن الشيء وذاته‬
‫والانتقام هو قرين كل جرح نرجسي»‪.‬‬           ‫منهجية هوسرل‪ .‬في الوقت الذي‬         ‫شيئان «الشيء المنظور بعين الواقع‬
                                          ‫يرى فيه طرابيشي أن جهد حنفي‬           ‫والشيء المنظور بعين الرغبة»‪ .‬من‬
      ‫ليصبح لحنفي في الحديث عن‬              ‫و”إسهامه المميز في الدراسات‬        ‫هنا فكلما تكلم حسن حنفي بصوت‬
    ‫الحضارة الغربية صوتان‪ :‬صوت‬                                                  ‫نقدي «أدركنا أنه يتكلم بلسان مبدأ‬
    ‫البشير بسقوط وانهيار الحضارة‬         ‫العربية الإسلامية يعود الفضل فيه‬     ‫الواقع وعن موضوع واقعي»‪ .‬و”كلما‬
 ‫الغربية‪ ،‬وصوت الناعي على الماضي‬          ‫بدرجة كبيرة إلى سبقه إلى تطبيق‬      ‫تكلم بصوت تبجيلي أدركنا أنه يتكلم‬
                                        ‫المنهج ‪-‬الفينومينولوجي لهوسرل‪-‬‬
      ‫التليد وضياع ما في أيدينا من‬       ‫بالتناوب مع المنهج المادي الجدلي‬                       ‫بلسان الرغبة»‪.‬‬
   ‫ممكنات‪ .‬كل ذلك في تصور دائري‬                                                ‫ثم ينظر طرابيشي إلى تعامل حسن‬
                                                                                ‫حنفي مع التراث كأنه سيرة ذاتية‪،‬‬
     ‫للتاريخ؛ فكما كنا‪ ،‬وجاءت دورة‬
   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123