Page 128 - merit 43- july 2022
P. 128

‫العـدد ‪43‬‬                           ‫‪126‬‬

                                                                ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬

‫أحمد بوقري‬

‫(السعودية)‬

‫ورقة حجر‪STONE LEAF -‬‬

     ‫في الصباح سألت الموظفة الرشيقة في استقبال‬             ‫الغيمة السوداء فوق رأسي تداعبني بقطيراتها‬
‫الفندق ذات الأسنان البيضاء المبتسمة لي بلطف عن‬         ‫المنعشة حين صافحت عين َّي وأنا أهم بدخول بيت‬
 ‫أفضل بيوتات المساج في المدينة فأوصتني بالذهاب‬        ‫المساج (‪ )SPA‬القرميدي الأنيق‪ ،‬كلمتان منحوتتان‬
 ‫إلى (ورقة الحجر)‪ ..‬واستمتع! همست لي‪ ..‬وكتبت‬
                                                          ‫داخل إطا ٍر خشبي بني اللون‪ ،‬بشك ٍل فني بارز‬
    ‫لي عنوان المكان بسرعة على ورقة صغيرة وهي‬          ‫وأ ّخاذ‪ ،)Stone Leaf( :‬ربما خ َّطتها أصاب ٍع رشيقة‬
                ‫تلتفت إلى نزي ٍل آخر كان بجواري‪.‬‬       ‫كرشاقة الأصابع التي ستنزلق بعد دقائق بخفة لا‬

   ‫بلطف طلبت مني مديرة المكان الجلوس في ردهة‬                             ‫تحتمل على تضاريس جسدي‪.‬‬
 ‫الاستراحة‪ ،‬وجاءت إل َّي بعد قليل تفوح منها رائحة‬          ‫والمكان المعتم يحتويني حمي ًما بظلاله الخافتة‪،‬‬
                                                         ‫وانسكابات الموسيقى الصينية القادمة من بكارة‬
      ‫عطر مخ ِّدر‪ ،‬بقائمة الخدمات وكتالو ًجا ملو ًنا‬       ‫التاريخ الشرقي تص ُّب في أذني أصوا ًتا كأنها‬
 ‫يحتوي على صور العاملات الجميلات اللاتي يقمن‬          ‫صحون خزفية تتكسر على رخا ٍم واحد ًة تل َو أخرى‬
                                                      ‫تأتيني حادة‪ ..‬عذبة‪ ..‬بنغما ٍت هابطة متصاعدة‪ ،‬من‬
      ‫بتقديم الخدمات بخبرة متميزة ومحترفة كما‬
                                     ‫شرحت لي‪.‬‬                                      ‫فجوا ٍت غير مرئية‪.‬‬
                                                        ‫لا أعرف لماذا ارتحت لحظتئذ للمعنى الذي أوحتا‬
  ‫قلت لها إني أريد البقاء هنا ثلاث ساعا ٍت تعيدون‬       ‫لي به الكلمتان وصر ُت أرددهما في س ِّري‪« :‬ورقة‬
    ‫فيها تفكيك وترميم جسدي من جديد متمنيًا أن‬            ‫الحجر»‪ ،‬ويغمرني شعور دافق بالتحليق مو َحى‬
                                                      ‫من لذة الخيال والنعاس وغموض اللحظات القادمة‬
‫أخرج كورقة حجر متهادية راقصة في سماء المدينة‪.‬‬
               ‫ضحكت عيناها والتمع ْت وقالت لي‪:‬‬                          ‫المفعمة بسكينة الروح والجسد‪.‬‬
               ‫عليك أن تختار ما تريد من القائمة‪.‬‬           ‫كنت وصلت بالأم ِس آخر الليل إلى هذه المدينة‬
                                       ‫قلت لها‪:‬‬       ‫الشرق آسيوية بعد رحلة طويلة استغرقت ساعاتها‬
                                                           ‫العشر‪ ،‬تضعضع خلالها جسدي من الجلوس‬
   ‫سأختار مساج الزيت الحار‪ ،‬ومن ثم في الساعة‬             ‫كما لم يحدث لي من قبل في رحلاتي السندبادية‬
‫الثانية عليَّ بمساج الأحجار الساخنة‪ ،‬وأختم الساعة‬
                                                                                             ‫السابقة‪.‬‬
 ‫الثالثة بمساج الجسد بالجسد (‪.)Body to Body‬‬                ‫لذا فور وصولي للفندق خ َّطط ُت لجلسة مساج‬
  ‫هذه المرة ضحك وجهها الرقيق بلط ٍف طا ٍغ ولمعت‬         ‫طويلة وخيالية ترمم ما تفكك من عظمي ولحمي‪.‬‬

    ‫عيناها قائل ًة‪( :‬كل هذا؟)‪ ..‬وانفرجت شفتاها عن‬
            ‫أسنا ٍن لؤلؤية‪ ،‬وأطلقت صيحة سرور‪.‬‬
                                       ‫‪!OKkki‬‬
   123   124   125   126   127   128   129   130   131   132   133