Page 286 - merit 43- july 2022
P. 286

‫ينبني متخيل الإبداع‬                                           ‫العـدد ‪43‬‬                          ‫‪284‬‬
  ‫الشعري ‪-‬في جزء كبير‬
‫منه‪ -‬على السيرة الذاتية‪،‬‬                                                          ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬   ‫أخرى ُتضاهي السماء التي فوق‬
                                                                                                   ‫رؤوسنا‪ ،‬لأنها أفق لا نهائي‬
    ‫ما هي حدود الواقعي‬                       ‫لأشكال محتملة»‪ ،‬كما س َّم ْي ُت‬                       ‫من الأشكال والبناءات‪ ،‬ومن‬
      ‫والمتخيل في كتابتكم‬                ‫كتا ًبا لي في عنوان فرعي‪ ،‬صدر في‬
                                                                                              ‫الاختراقات والاقتراحات‪ .‬علينا أن‬
               ‫الإبداعية؟‬                  ‫تسعينيات القرن الماضي‪ ،‬وجاء‬                        ‫نكون ُمستع ِّدين لصدمات ال ِّشعر‪،‬‬
                                                   ‫ليهجس بحداثة الكتابة‪.‬‬
      ‫السيرة الذاتية عندي كانت‬                                                                  ‫ولصدمات حداثة الكتابة‪ ،‬لأنها‬
‫في‪« ‬حامل المرآة»‪ ‬بأجزائه الثلاثة‪،‬‬           ‫لا تعنيني الرواية‪ ،‬ولن أكتبها‪،‬‬                     ‫حداثة تنقلب على نفسها بنفسها‪،‬‬
                                         ‫لأن ما أقرؤه من روايات‪ ،‬هي إما‬                       ‫ولا تقبل بالبقاء في نفس المساحة‬
    ‫وحتَّى السيرة هنا‪ ،‬هي سيرة‬
   ‫شعرية‪ ،‬بمعنى أنها لا تخضع‬                ‫روايات يغلب عليها الإنشاء‪ ،‬أو‬                         ‫التي اكتسبتها‪ .‬لا ُم ْك َت َسب‪ ‬في‬
                                          ‫هي روايات تميل إلى موضوعات‬                                ‫الشعر‪ ،‬وحداثة الكتابة نهر‬
       ‫للاسترسال والإطناب‪ ،‬أو‬             ‫أكثر منها روايات تذهب إلى عمق‬
  ‫للتفاصيل‪ ،‬فهي تتميز بالكثافة‪،‬‬            ‫النفس البشرية وما تحتمله من‬                          ‫متدفق‪ ،‬يتغيَّر ماؤها باستمرار‪،‬‬
  ‫ومجازاتها التي ُت ْخفي أكثر مما‬        ‫ضغوط وهواجس‪ ،‬والبناء في هذه‬                           ‫لذلك لا يمكن أن تسبح فيه أكثر‬
‫ُت ْظ ِهر‪ .‬السيرة في العمل ال ِّشعري‪،‬‬     ‫الروايات‪ ،‬هو بناء لم يجد طريقه‬
  ‫بعكس الرواية التي يغلب عليها‬             ‫إلى الرواية‪ .‬الكتابة الروائية‪ ،‬في‬                                         ‫من مرة‪.‬‬
‫هذا ال ُّن ُزوع‪ ،‬هي الذات ال َّشاعرة في‬  ‫أغلبها‪ ،‬تشبه روايات الحكواتي في‬
  ‫استنفارها لمعناها الأنطولوجي‪،‬‬           ‫الحلقة‪ ،‬فحكاياته بناؤها مزاجي‪،‬‬                      ‫أغلب شعراء جيلك انتقلوا‬
  ‫لما تعيشه في الوجود من أسئلة‪،‬‬            ‫وهذا هو وضع الرواية عند من‬                                ‫إلى ال ّرواية‪ ،‬لماذا لم‬
                                           ‫يكتبونها‪ ،‬فما بالك بشاعر أخفق‬
      ‫وتوترات‪ ،‬ورغبة في المعرفة‬                                                                 ‫يجرب صلاح بوسريف‬
  ‫والفهم والاكتشاف‪ ،‬كما أشر ُت‬                                ‫في ال ِّشعر؟!‬                      ‫فعالية الشكل الروائي‪،‬‬
   ‫ساب ًقا‪ .‬ليس دور هذه الذات أن‬              ‫ما كتب ُته من أعمال‪ ،‬فيها كل‬                      ‫خاصة أن بعض أعمالك‬
 ‫ُتعيد قول ذاتها‪ ،‬الذات في ال ِّشعر‬      ‫شيء‪ ،‬ضمن بناء محكم وله شكله‬
  ‫انبثاق‪ ،‬تخلُّ ٌق‪ ،‬خروج من العدم‪،‬‬           ‫المعماري الشعري‪ ،‬مثلما تجد‬                              ‫الشعرية كـ»رفات‬
                                           ‫في «مثالب هوميروس» بجزئيه‪،‬‬                               ‫جلجماش»‪ ‬بحداثته‬
    ‫ولادة من المجهول‪ ،‬وسفر أو‬                ‫و»كوميديا العدم»‪ ،‬وغيرهما‪،‬‬
                                           ‫وهذا ما يجعل ال ِّشعر‪ ،‬أو ال ِّشعر‬                           ‫المنفتحة فيه ما‬
                                           ‫الآ َخر هو ما يشغلني‪ ،‬ولا أفكر‪،‬‬                          ‫يمكن اعتباره سر ًدا‬

                                                 ‫إطلا ًقا‪ ،‬في كتابة الرواية‪.‬‬                               ‫ِش ْع ُر ِر َوا ِئ ًّيا؟‬

                                                                                               ‫أعتقد أن ذهاب‬
                                                                                                   ‫الشاعر إلى‬
                                                                                                  ‫الرواية‪ ،‬هو‬

                                                                                              ‫تعبير عن نقص‬
                                                                                                    ‫في الرؤية‬
                                                                                                   ‫والتص ُّور‪،‬‬

                                                                                                ‫وفي البحث في‬
                                                                                                 ‫ال ِّشعر نفسه‬
                                                                                                 ‫عن مساحات‬
                                                                                              ‫بها يكون ال ِّشعر‬
                                                                                              ‫رواية ومسر ًحا‬
                                                                                              ‫وملحمة‪ ،‬و «أُ ُف ًقا‬
   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290   291