Page 174 - merit 42 jun 2022
P. 174

‫العـدد ‪42‬‬                                    ‫‪172‬‬

                                      ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬                          ‫د‪.‬محمود أحمد‬
                                                                              ‫العشيري*‬
  ‫للأسلاف هي ابتعا ٌد عنهم‬               ‫تقف نصوص الحداثة‬                             ‫قراءة في قصيدة «النخلة» لمحمود قرني**‬
     ‫بإعادة إنتاجهم؛ فإعادة‬                                                               ‫قصيدة النثر واستعادة الأسلاف؛ موعظة النخلة‪..‬‬
                                            ‫عند لحظة زمنيّة آنيَّة‪،‬‬
  ‫القراءة بقدر ما ُت َث ِّم ُن إنتاج‬     ‫هي حاضرها ومستقبلها‪،‬‬
    ‫الأسلاف؛ ُت ْعلي من قيمة‬             ‫وتسعى محموم ًة بالتغيير‬
    ‫الاختلاف والانحراف‪ ،‬لا‬              ‫والتجديد إلى إرساء قطيع ٍة‬
         ‫التطابق أو التشابه‪.‬‬           ‫‪-‬على نح ٍو من الأنحاء‪ -‬مع‬
                                          ‫ماضيها‪ ،‬وكأن وجودها‬
‫لا تمثل التقاليد الفنية مبادئ‬
‫مطلقة حاكمة لمفاهيم الإبداع‪،‬‬                ‫القوي لن يقوم إلا على‬
                                              ‫الإزاحة والاستبدال‬
  ‫ولا تجعل من نفسها أي ًضا‬                             ‫والقطيعة‪.‬‬
  ‫بدي ًل مطل ًقا لمبادئ المزاحة‪،‬‬
                                       ‫ولكن مثل هذا الاستبدال أو‬
     ‫وإنما المعول على تفاعل‬               ‫تلك الإزاحة والقطيعة لن‬
‫الأشكال الفنية م ًعا وتجادلها‬            ‫تكو َن مقبول ًة إلا «مجا ًزا»‬

    ‫مع واقع الذائقة الجمالية‬            ‫بوصفها نتاج رغبا ٍت قوي ٍة‬
    ‫وواقع التلقي اللذين هما‬               ‫لتحقيق المصير‪ ،‬الذي لن‬
‫محصلة تجادل جدي ٍد يحاول‬
    ‫أن يستقر‪ ،‬و ُم ْس َت ِق ًّر يعاد‬  ‫يكون إلا وجو ًدا جماليًّا أكثر‬
                                      ‫تفر ًدا؛ إذ لا ُيمكن للحظ ٍة آنيّة‬
      ‫ترتيبه‪ ،‬وتجدد قراءته‪.‬‬
 ‫ك ُّل إبداع جديد هو علاقة ما‬           ‫‪-‬كما يقول «بول دي مان»‬
‫مع الماضي؛ علاقة مع تقاليد‬                ‫أن تنفصل عن ماضيها؛‬
‫النوع الذي يمثله‪ ،‬فض ًل عن‬               ‫لأنها ستكون قد انفصلت‬

    ‫الأنواع الجمالية الأخرى‬             ‫عن حاضرها‪ ،‬أو آنيتها في‬
    ‫التي يتجادل معها؛ فعبر‬               ‫اللحظة ذاتها‪ ،‬فكل حاضر‬
‫معال َم ما مرن ٍة للنوع يمارس‬          ‫هو جزء من طبيعة المستقبل‬
   ‫الفنان على الدوام معركته‬             ‫وماهيته؛ فالآن هو ما يولد‬
     ‫الاختلافية التي تترصد‬              ‫المستقبل‪ ،‬وعليه تصبح كل‬
‫خصمين كبيرين هما التقاليد‬                 ‫لحظة جز ًءا من ماضيها‪،‬‬
     ‫الفنية والذائقة السائدة‪.‬‬            ‫كما تغدو ماضيًا بالنسبة‬
                                        ‫لمستقبلها(‪ .)1‬وعلى هذا ليس‬
      ‫ويقف التاريخ النوعي‬
     ‫للشعر ليكون أف ًقا تنظر‬               ‫ثمة مهرب من الماضي‪،‬‬
     ‫إليه كل قصيدة جديدة‪،‬‬                 ‫وستجد التقاليد الحداثيّة‬
    ‫لتظل العلاق ُة معه علاق ًة‬
‫محسوبة ‪-‬باختلاف الظرف‬                        ‫نفسها في مأزق معه‪،‬‬
    ‫الاجتماعي الجمالي‪ -‬بين‬              ‫تقف منه موق ًفا متعار ًضا‪،‬‬
    ‫مساح ٍة ما من الانحراف‬
                                          ‫يتجاوز حدود المقابلة أو‬
       ‫وال ِج َّدة والمفاجأة‪ ،‬بما‬     ‫التضاد‪ ،‬فيتجاوز الموقف من‬
    ‫يحفظ على النص ابتكاره‬             ‫الماضي أو التراث أو التاريخ‬
‫وتف ّرده‪ ،‬وأخرى من الالتزام‬
     ‫والخضوع للتقاليد‪ ،‬بما‬               ‫حدود الرفض أو النسيان‬
                                         ‫أو التجاهل أو القطيعة إلى‬
      ‫يحفظ على النص تقبله‬             ‫ال ُح ْكم النقدي وإعادة القراءة‪.‬‬

                                           ‫على أن كل قراءة واعية‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179