Page 177 - merit 42 jun 2022
P. 177
175 الملف الثقـافي
ِع ْرفان صوفي ُت َت َح َّص ُل فيه موق ٍع آخر يناديها بقوله: قوله صلى الله عليه وسلم:
المعارف عن طريق الإحساس «يا أخت أبي» س (.)41 « َم َث ُل المؤمن مثل النخلة ،إن
وقد يبدو هذا الوصف للوهلة شاورته نفعك ،وإن شاركته
الباطني ،والكشوف القلبيَّة، الأولى ُم َولَّ ًدا على المجاز
الرحلة معرا ٌج إلى ال ِّس ِّر السابق ،مبنيًّا عليه ،إذ الع ّمة نفعك ،وإن ماشيته نفعك،
الأعظم ،تطرح فيه الذات أخت الأب ،ولكننا نجده في وكذلك النخلة كل شيء منها
بقية الحديث السابق ،الذي
موبقاتها ،وهمومها ،وأثقالها، يعطي لهذه القرابة ُب ْع ًدا منافع»(.)6
ووجو َدها القديم ،إحساسها أعمق تتجاوز ال ُأ ُب َّوة القريبة ولعل نصو ًصا مثل نصوص
الناقص بالوجود ،قصورها، إلى أُ ُب َّوة الجد الأعلى ،إلى آدم حنين الجذع إلى النبي محمد
ذاته .يقول المتن« :أكرموا صلى الله عليه وسلم ُت ْسهم
عجزها ..لتكتمل معرفتها، عمتكم النخلة ،فإنها ُخلِ َق ْت
وتحس الوجود الكامل من َف ْضل ِة طينة أبيكم آدم، بشكل أو آخر في ترسيخ
الحقيقي ،وترى الحقيقة وليس من الشجر شجر ٌة الصورة العاطفية للنخلة في
أ ْكرم على الله من شجرة
كما هي ،لا لترى الاستقرار َو َل َد ْت تحتها مريم ابنة المخيال العربي الثقافي(.)7
الساذج أو الطمأنينة عمران ،فأط ِعموا ِنساءكم وينبني النص على استعارة
ال ُولَّد ال ُر َطب ،فإن لم يكن مجاز َّية محور َّيةُ ،ت َخا ِط ُب
الزائفة ،وإنما ترى «المتاهة»،
و»المخاطر»؛ لتنتقل إلى ُثلَّة ُر َطب فتمر»(.)10 افلينهاخلاَةلذباو ُت اصلمفهحاك«ُّي َع َّمعةن»ه:ا
العارفين. «ناداها بكل الهواء الذي يملأ
ويستعير النص لمقام (ب) المعراج الصوفي:
«الوصل» الذي هو غاية صدره:
معراجه الروحي الوجودي ويبدو الاتصا ُل بالنخلة يا عمتي» س (.)5 ،4
انفصا ًل عن الآخرين، وهو في هذا يستعير الوص َف
مفردات الجسد؛ ليعيد للذات من نصوص الحديث النبوي
اكتمالها الحقيقي ،دونما انفصا ًل عن كل ما هو ُم ْب َتذ ٌل ivحيث أ َّول النصوص التي
إقصاء لأح ٍد من طرفي وزائف ،معرا ًجا لا ترى فيه تصوغ النخلة على هذا النحو
الذات غير «الوصول» هد ًفا، عبر هذا المجاز ،إذ يذكر
المزدوج (الجسد /الروح). لا َي ْش َغلُها غيره ،ولا ت ْسمع الجاحظ في «البيان والتبيين»
فالوصل ليس مسألة إثارة معه أح ًدا ،ليتحقق لها مقام قوله صلى الله عليه وسلم:
جسد ّية ،أو نزوة انفعاليَّة «الوصل» ،وال َوصل «إدراك «نعمت الع َّمة لكم النخلة»(،)8
الفائت» كما يقول ابن عربي، وفي حديث آخر« :أك ِرموا
عابرة ،بل هو تجسيد
للوجود الفعلي لقوى الحياة وهو ما يلح عليه النص. عمتكم النخلة»(.)9
وعلى الحاجة إليه س (،22 وإذا كان النص هنا
الماد ّية /العاطفيّة ،حيث .)26 ،25 ،23ولا تكون يسترفد الحديث النبوي
النخلة أنوثة المعشوقة، بشكل مباشر ،ويقتبس
إذ يمتزج في المقطع الأول ثمرة هذا الاتصال سوى منه هذا المجاز ،فإنه في
الحلول الصوفي بشبق اللذة الكبرى التي لا تزيده إلا
الرغبة ،وتختلط طقوس
الرحلة والبحث عن الوجود شو ًقا وارتبا ًطا.
الفعلي الأصيل بطقوس إن صعود النخلة على ما
ُيمكن أن ُت َتأ َّول عليه رحلة
الاتصال والمعاشرة.
والمقطع يشير لفع ٍل حيات ٍّي
معتاد ،يرتبط بالإخصاب
الاصطناعي للنخيل vولكنه
في الوقت ذاته يتجاوز هذه