Page 179 - merit 42 jun 2022
P. 179

‫‪177‬‬         ‫الملف الثقـافي‬

‫بول دي مان‬  ‫امرؤ القيس‬               ‫أحمد شوقي‬                             ‫القلب هنا؛ فهو الوسط من‬
                                                                           ‫النخلة والمركز‪ ،‬وهو عمو ًما‬
   ‫في الوعي الشعبي وكأنها‬             ‫بعض النخلات‪ ،‬كنخلة يقال‬            ‫القلب‪ ،‬حيث المشاعر‪ .‬ال ُق ْربان‬
    ‫َر َّب ًة للخصوبة والولادة‪،‬‬          ‫لها «ذات أنواط» و»نخلة‬           ‫ُم َق َّدس‪ ،‬ومكان َت َل ِّقيه لا َي ْب ُع ُد‬
     ‫حاضن ًة للنساء المتعبات‬              ‫نجران» التي اختصوها‬
‫ساعة الوضع‪ ،‬تهونها عليهن‪،‬‬                                                                   ‫عن هذا‪.‬‬
  ‫و ُت َس ِّهل ولاداتهن المتعثِّرة‪،‬‬  ‫ِب ُج ْم َلة من الأعمال الطقوسيَّة‬        ‫لقد َع َبد الإنسا ُن الأ ّول‬
‫تقصدها الراغبات في الأمومة‬               ‫كالاحتفال بها في مواسم‬          ‫الشجرة أو النخلة(‪ ،)16‬وتبقى‬
                                          ‫معلومة‪ ،‬والذبح عندها‪،‬‬          ‫النخلة في الثقافة العربية على‬
       ‫الحالمات بوعد الزواج‬                                              ‫وجه الخصوص قطبًا متفر ًدا‬
                 ‫والإنجاب‪:‬‬             ‫وتعليق الأثواب والأسلحة‪،‬‬           ‫ينازع سائر أنواع الأشجار‬
                                                ‫والحلي عليها(‪.)17‬‬         ‫الأخرى حضورها‪ ،‬وسطوة‬
  ‫«لن تستطيع أن تقص على‬                                                    ‫ذيوعها‪ ،‬حتى َل َت ْبدو قسي ًما‬
                   ‫صاحبها‬                  ‫وعلى الرغم من اختفاء‬          ‫لها‪ ،‬وكأنها ليست نو ًعا منها‪.‬‬
                                        ‫الاحتفاء بالنخلة بوصفها‬            ‫َع َبد الإنسا ُن الأ ّو ُل النخل َة‪،‬‬
   ‫قص ًصا أخرى عن النساء‬                                                      ‫ولم تكن عبادته مو َّج َه ًة‬
        ‫اللاتي احتمين بظلها‬                ‫معبو ًدا عربيًّا قدي ًما إلا‬  ‫إليها بذاتها‪ ،‬بل توجهت نحو‬
                                        ‫أن طقس الزينة السنو َّية‪،‬‬           ‫الروح الكامنة فيها‪ .‬وهذه‬
    ‫وتعرين لنسمات الصيف‬                  ‫وتعليق الملابس النسائية‬              ‫الروح هي ما يأخذ بلب‬
                    ‫الطر َّية‬                                             ‫الشاعر وتملك عليه أقطاره‪،‬‬
                                          ‫عليها خلال الاحتفالات‬           ‫فيؤنسنها شك ًل وموضو ًعا‪،‬‬
    ‫ولا عن الغمزات المخجلة‬                ‫الموسمية بها مع الطرح‬            ‫وعندما ت ْل َب ُس‪ :‬النخلة «ثو ًبا‬
      ‫التي تركتها العذراوات‬              ‫والتلقيح؛ ظل متوات ًرا في‬       ‫بنيًّا محرو ًقا» يريد أن يذهب‬
                                      ‫مصر حتى العصر الفاطمي‬                   ‫«إلى السوق»‪ ،‬ويشتري‬
        ‫في الأماسي المقمرة»‬                                                   ‫من أجلها «أرواب زينة‪،‬‬
  ‫والنص على طوله يستدعي‬                               ‫والمملوكي‪.‬‬          ‫وأضواء مبهرة»‪ .‬وهو مجاز‬
                                      ‫ومن التماس مع عشتار‪ ،‬إلى‬             ‫قد يدفعنا إلى استعارات قد‬
     ‫الاعتقاد القديم بتجسيد‬           ‫العبادة القديمة‪ ،‬ومع ولادة‬           ‫تبدو مجانيّة؛ فأي (نخل ٍة‪/‬‬
   ‫الشجرة لروح الخصوبة‪.‬‬              ‫المسيح تحتها؛ تضحى النخلة‬            ‫أنثى) أو (أنثى‪ /‬نخلة) تلك‬
    ‫ولكنه لا يقف من التراث‬                                                    ‫المشغولة بانتظار أرواب‬
                                                                         ‫الزينة؟ لكن‪ ،‬هنا تما ًما نلمس‬
                                                                            ‫أطراف الخيط عندما يعود‬
                                                                         ‫بنا النص إلى أبعاد أسطور ّية‬
                                                                               ‫عميقة للنخلة‪ ،‬حيث لا‬
                                                                         ‫تنفصل في رمزيتها بعامة عن‬

                                                                                       ‫دلالة الزينة‪.vii‬‬
                                                                            ‫ويعود بنا النص أي ًضا إلى‬
                                                                          ‫ممارسات عربيَّة تدور حول‬
                                                                         ‫النخلة بوصفها شجرة الميلاد‬
                                                                          ‫والعائلة‪ .‬فقد َق َّدست العرب‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184