Page 180 - merit 42 jun 2022
P. 180

‫العـدد ‪42‬‬                               ‫‪178‬‬

                                       ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬                               ‫الشعبي أو من فكرة‬
                                                                        ‫الخصوبة فقط عن هذا ال َح ِّد‪،‬‬
  ‫اللغوية إلى النخلة بوصفها‬            ‫مع النخلة في الموروث العربي‬
    ‫«مؤنث»‪ .‬ولعل تصورها‬                    ‫والأسطوري العام‪ ،‬حيث‬               ‫بل نجده يتماس مع ما‬
   ‫بوصفها أنثى هو ما يفتح‬                                                  ‫تحدثنا به الأغنية الشعبية‬
                                        ‫كانت البقرة «حتحور» تمثل‬          ‫عن «طالع الشجرة»(‪ ،)18‬مع‬
‫الباب لوفر ٍة من الاستعارات‬                  ‫الروح الحيَّة للأشجار‪،‬‬     ‫ما بين النصين من تفاوت في‬
    ‫التفصيليَّة المرشحة لهذا‬                                            ‫مستوى اللغة بين والفصحى‬
      ‫التصور‪ ،‬والتي تتدفق‬               ‫وكانت «الحتحورات السبع»‬          ‫العاميَّة‪ ،‬وتفاوت إيقاعي بين‬
                                             ‫أشبه بالجنيات اللواتي‬         ‫ن ٍّص شعبي ُم ْفعم بالإيقاع‬
   ‫عبر النص‪ .‬غير أن عوامل‬                                                  ‫وآخر َي َتخ َّل عن العروض‬
   ‫أخرى تدخل لتعميق هذه‬                    ‫يقررن مصير الطفل عند‬            ‫ويخفت الإيقاع فيه‪ ،‬إلا أن‬
   ‫الترشيحات وإزاحتها إلى‬               ‫مولده(‪ .)20‬وفي المقابل كانت‬        ‫ِغنى الدلالة والتخييل يظل‬
 ‫طرق غير معتادة كاسترفاد‬               ‫الولادة المقدسة للمسيح تحت‬          ‫جام ًعا بين النصين‪ ،‬حيث‬
   ‫النصوص التراثية المميزة‬              ‫نخلة‪ ،‬وتؤمر مريم بأن َت ُه َّز‬  ‫تظل الشجرة والنخلة مصد ًرا‬
                                        ‫إليها بجذعها؛ في َّساقط عليها‬   ‫للخير المُ ْن َت َظر الذي هو وجود‬
      ‫والمُؤ ِّسسة للتصورات‬
  ‫الثقافيَّة العامة حولها‪ ،‬على‬                         ‫رطبًا جنيَّا‪.‬‬          ‫كامل وحقيقي في نص‬
 ‫نحو ما يستعير تعبي َر النبي‬               ‫وكذلك تأخذ العلاقة بين‬       ‫الفصحى‪ ،‬و» َب ْقرة» في الأغنية‬
                                          ‫البقرة والنخلة خصوصي ًة‬
    ‫صلى الله عليه وسلم عن‬                                                    ‫الشعبية‪ ،‬التي لا يفارقنا‬
   ‫النخلة بوصفها « َع َّمة» أو‬               ‫فريدة عندما يرتبط كل‬          ‫حليبها في النص الفصيح‪:‬‬
                                         ‫منهما بالموت؛ فحيث كانت‬
                ‫«أخت أ ٍب»‪.‬‬                ‫البقرة في «منف» حارسة‬               ‫«سكب في قلبها حليب‬
         ‫ويفتح علينا تصور‬               ‫جبل الموتى(‪ )21‬وجدنا سعف‬                 ‫أصابعه» س (‪.)13‬‬
      ‫النخلة بوصفها « َع َّمة»‬           ‫النخلة في التصور الشعبي‬
   ‫أف ًقا تخييليًّا واس ًعا لتأمل‬                                        ‫أو مشب ًها به طلعها الأبيض‪:‬‬
  ‫علاقات الذكورة والأنوثة‪،‬‬                    ‫الإسلامي يوضع على‬           ‫«كان طلعها الأبيض تذكا ًرا‬
       ‫واشتجارها عبر هذه‬               ‫قبورهم ليقيهم َش َّر الحساب‬        ‫موشو ًما على قلبه» س (‪،9‬‬
‫الاستعارة‪ ،‬أو عبر الاستعارة‬            ‫والعذاب‪ ،‬وما كان السعف في‬
 ‫الأخرى التي تبدو َح ًّل لها؛‬           ‫يد رج ٍل أو امرأة في العصر‬                            ‫‪.)10‬‬
 ‫توازيها ولا تساويها‪« :‬أخت‬              ‫المسيحي إلا دلي ًل على شهيد‬            ‫ويمثل فعل «الصعود‬
  ‫الأب»‪ ،‬خا َّص ًة عندما تعود‬                                             ‫والارتقاء» التيمة الأساسيَّة‬
‫بعلاقة الأب ُّوة إلى آدم‪ .‬فال َع َّمة‬    ‫حقق النصر الأعلى(‪ )22‬وإلى‬             ‫الجامعة بين النصين‪،‬‬
‫تمثل طبيعة «الأنثى» بما هي‬               ‫جانب الشهادة كان النصر‪،‬‬          ‫فض ًل عن تشابه النهايات‪،‬‬
  ‫كائن بيولوجي‪ ،‬اجتماعي‪،‬‬                ‫حيث كان أي ًضا شعا ًرا دائ ًما‬  ‫فالترنيمة الشعبية المغرقة في‬
 ‫نفسي‪ .‬وتمثل أي ًضا علاقات‬                                                ‫بساطتها‪ ،‬المتخمة بالتخييل‬
    ‫«الذكورة» بما هي َن َسب‬                 ‫على النصر‪ ،‬وما إمساك‬           ‫والرمز ّية «ظاهرها الفرح‪،‬‬
    ‫اجتماعي‪ ،‬وانتماء عائلي‪،‬‬               ‫المسيحيين بسعف النخيل‬         ‫وباطنها موجع إلى َح َّد الأسى‬
                                        ‫يوم الأحد إلا تذكي ًرا بدخول‬         ‫والانكسار»(‪ ،)19‬حيث لم‬
             ‫وهو ّية َق َبلِيَّة‪.viii‬‬                                    ‫ُتدرك الذات مطلبها؛ فالملعقة‬
  ‫ويفاجئنا النص بما َي ْن ُقض‬               ‫المسيح أورشليم ظاف ًرا‪.‬‬       ‫ا ْن َك َس َرت‪ .‬فاتها الخير‪ ،‬ولم‬
   ‫َت َرا ُتب علاقات (الذكورة‪/‬‬                                                 ‫ُت ْدرك منه أقل القليل‪.‬‬
                                       ‫(أ) الذكورة‪ /‬الأنوثة‪:‬‬            ‫ولعلنا نقف على تقاطعات ِع َّدة‬
            ‫الأنوثة)‪ ،‬يقول‪:‬‬                                              ‫للبقرة في الموروث الفرعوني‬
‫«لكن الغيمة المارة على رأسها‬                   ‫أشرنا إلى أن الشكل‬
                                             ‫الفيزيائي للنخلة يمدنا‬
              ‫لم َت ُد ْم طوي ًل‬        ‫بأساس قوي لبناء استعارة‬
 ‫وقعت برأسها على الصاعقة‬               ‫النخلة بوصفها «أنثى»‪ ،‬وهي‬
                                            ‫استعارة ترفدها الإحالة‬
   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185