Page 181 - merit 42 jun 2022
P. 181

‫اعتبار الأصل في النخلة الأنوثة عودة‬                                              ‫َلبِ َس ْت َب ْعدها ثو ًبا ُبنِّيًّا‬
‫للوعي الأمومي الذي يجعل من العائلة‬                                                             ‫محرو َقا‬

  ‫بشكلها الأبوي القائم ليست أقدم‬                                                  ‫َو َف َق َدت أنوثتها الطاغية‬
‫أشكال المجتمع الإنساني؛ إذ َي ْس ِب ُقها‬                                    ‫هي الآن ذكر نخيل لا ي ْن َبس	»‬
‫شكل يقوم على قيم الأنوثة‪ ،‬ومكانة‬
‫الأم‪ ،‬حيث تبلور التج ُّمع الإنساني الأ ّول‬                                               ‫س (‪.)64 :60‬‬
‫تلقائ ًّيا حول الأم التي شدت عواط ُفها‬                                            ‫فإذا كانت المرأة ‪-‬فيما‬
 ‫وحدبها الأبنا َء حولها في أ َّول وحدة‬                                         ‫يرى البعض‪ُ -‬ت َص َّو ُر عند‬
‫إنسان َّية متكافئة هي العائلة الأموم َّية‬                                         ‫«فرويد» ‪-‬طب ًقا لمفهوم‬

      ‫حتى في أعتى أشكالها‬               ‫الأنوثة لا الذكورة عودة‬                     ‫ال َج َسد القضيبي‪ ،‬أو‬
    ‫ذكور َّي ًة بمثل هذه الآلهة‬     ‫للوعي البدائي الأمومي‪ ،‬الذي‬                ‫ال ِغيرة من العضو الذكري‬
  ‫الإناث؟ أم تعيدنا إلى حال ٍة‬                                                  ‫‪ -Penis Enuy‬بوصفها‬
  ‫أولى للوجود الكوني‪ ،‬بعي ًدا‬           ‫يجعل من العائلة بشكلها‬                ‫«رج ًل ناق ًصا»‪ ،‬وهو الأمر‬
‫عن هذه الثنائية؛ حيث النخلة‬            ‫الأبوي القائم ليست أقدم‬
‫هما م ًعا (الذكر والأنثى)؟ أم‬        ‫أشكال المجتمع الإنساني؛ إذ‬                   ‫الذي ُع َّد أحيا ًنا َت َص ُّو ًرا‬
 ‫َت ْدفعنا للتساؤل حول واقع‬            ‫َي ْسبِ ُقها شكل لا يقوم على‬              ‫ُم ْنطو ًيا على امتها ٍن لها‪،‬‬
    ‫هيمنة أحدهما على الآخر‬            ‫قيم الذكورة وسلطة الأب‪،‬‬                  ‫فإن النص ينتصر للأنثى‬
 ‫لِ ُن ِع ْيد وضع المسألة وضعها‬       ‫بل على قيم الأنوثة‪ ،‬ومكانة‬                  ‫(الأم والمعشوقة)‪ ،‬من‬
 ‫المناسب الصحيح‪ ،‬بعي ًدا عن‬             ‫الأم‪ ،‬حيث تبلور التج ُّمع‬             ‫حيث يصور الذكر بوصفه‬
 ‫هيمنة الذكر و َت َسلطه‪ ،‬حيث‬         ‫الإنساني الأ ّول تلقائيًّا حول‬           ‫«أنثى ناقصة»؛ لقد َض َر َب ْت‬
 ‫الذكر أب ًدا لا ُي ْخ ِضع الأنثى‪،‬‬      ‫الأم التي شدت عواط ُفها‬                   ‫الصاعق ُة النخلة الأنثى‬
  ‫َب ْل َي ْعرج إليها على نحو ما‬        ‫وحدبها الأبنا َء حولها في‬             ‫َفصارت ذك ًرا‪ .‬فـ(الذكر =‬
 ‫كانت الذات في المقطع الأول‬           ‫أ َّول وحدة إنسانيَّة متكافئة‬         ‫َم ْسخ الأنثى)‪ ،‬حيث الصاعقة‬
                                       ‫هي العائلة الأموميَّة‪ ،‬خلية‬              ‫على الدوام عقاب من الله‬
                 ‫من النص‪.‬‬             ‫المجتمع الأمومي الأكبر(‪.)23‬‬               ‫أو القوى العليا في الوعي‬
    ‫وفي مقطع آخر س (‪:48‬‬               ‫وهل تعيدنا النخلة على هذا‬               ‫الديني والأسطوري‪ .‬وكما‬
  ‫‪ُ )59‬ت ْسقط النخل ُة «بلحة»‬          ‫النحو إلى آلهة أنثى كبيرة‬               ‫كان الإنسان قدي ًما يعتقد‬
  ‫غليظ ًة على «أنف» القاضي‪،‬‬                                                    ‫في مغادرة الروح للشجرة‬
 ‫الذي « َي ْن َت ِفض»‪ ،‬و» َيأ َسف»‬       ‫هي الأم‪ -‬الأرض‪ ،‬التي‬               ‫عندما يلحقها أذى فإن النخلة‬
    ‫على «وقاره»‪ ،‬لكنه يعود‬          ‫كانت مرك ًزا للحياة الروحيَّة‪،‬‬             ‫هنا تفارقها أنوثتها عندما‬
     ‫فـ»يقهقه» لأول َم َّرة في‬       ‫فيما قبل الثقافات الذكور ّية‬
                                     ‫‪-‬التي شهدت صعود الآلهة‬                           ‫تضربها الصاعقة‪.‬‬
                    ‫حياته‪.‬‬          ‫الذكور‪ -‬والتي َظلَّ ْت ُم ْخ َت َرق ًة‬     ‫ويمكن لنا أن نتساءل هنا‬
                                                                                ‫أي ًضا‪ :‬هل ُت َق َّدم الذكورة‬
                                                                                ‫بوصفها ِخصا ًء للأنوثة‪،‬‬
                                                                               ‫(الذكر = خصي الأنثى)؟‬

                                                                                  ‫أم تعود الأنوثة هام ًشا‬
                                                                              ‫على الذكورة‪ ،‬تزول؛ فتبقى‬
                                                                              ‫من النخلة ذكورتها؟ ولكن‬
                                                                            ‫الذكورة حينئ ٍذ وجود ناقص‪،‬‬
                                                                            ‫مجرد «ذكر نخيل لا َي ْن َبس»‪.‬‬
                                                                            ‫ولعل اعتبار الأصل في النخلة‬
   176   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186