Page 185 - merit 42 jun 2022
P. 185

‫الملف الثقـافي ‪1 8 3‬‬

‫ولكن ملاحظة شوقي ‪-‬فيما‬            ‫تتعدد وجوهها‪ ،‬والتي تتجلى‬                         ‫و ُي َو ِّحد‪ ،‬لا المبدأ الأبوي‬
‫يبدو‪ -‬كانت أكبر حج ًما مما‬            ‫في قصائد ونصوص في‬                        ‫الذكوري الذي ُي َف ِّرق‪ ،‬ويضع‬
 ‫صاغه لسد هذه الثغرة‪ ،‬على‬             ‫عصور تتفاوت وتتباعد‪،‬‬
                                                                                       ‫الحواجز‪ ،‬والحدود‪.‬‬
   ‫نحو ما كتبه في القصيدة‬         ‫ولكنها تظل جميعها م ًعا على‬                  ‫الكل َي ْج َع ُل منها أُ َّمه‪ ،‬وألصق‬
      ‫السابق بعض أبياتها‪.‬‬           ‫طري ٍق واح ٍد هو طريق هذه‬
      ‫فأبياته لا تكاد تتعدى‬         ‫الحقيقة‪ .‬فالشعر جوهر أو‬                          ‫َم ْن حوله به هو‪ ،‬وهو‬
                                   ‫هيولا تتلبس أشكا ًل مختلف ًة‬                  ‫ألصقهم جمي ًعا بها‪ ،‬ولكنها‬
     ‫الانتصار الموضوعي أو‬                                                       ‫في اللحظة ذاتها ‪-‬هي كلها‪-‬‬
     ‫المنطقي للنخلة‪ ،‬بما هي‬                  ‫ومظاهر متباينة‪.‬‬                     ‫لكل أحد‪ ،‬ولهم جمي ًعا م ًعا‪.‬‬
  ‫مكون حياتي ذو أهمية في‬            ‫لقد كانت النخلة في الشعر‬
‫الحياة المادية للبشر‪ ،‬فيترجم‬       ‫‪-‬على الدوام‪ ،‬فيما أتصور‪-‬‬                     ‫(ب) النص وأسلافه‬
‫لهذه الأهمية‪ .‬وشوقي هنا لا‬                                                          ‫الشعريين‪:‬‬
 ‫يلتفت إلى النخلة إلا بما هي‬          ‫أف ًقا تشبيهيًّا‪ ،‬يمتاح منه‬
  ‫مكون من مكونات الواقع‪،‬‬              ‫التصوير الشعري أحيا ًنا‬                     ‫يتقاطع النص بكتابته عن‬
   ‫لا بوصفها مكو ًنا شعر ًّيا‬                                                      ‫النخلة على هذا النحو مع‬
   ‫تحفل به القصائد‪ ،‬و ُيتَّ َخذ‬        ‫تخييله حول المرأة‪ ،‬على‬                    ‫سلفين كبيرين من أسلافه‬
‫كيا ًنا رمز ًيا على شي ٍء ما‪ ،‬أو‬    ‫وجه الخصوص‪ .‬ولم تكن‬                             ‫الشعريين‪ ،‬كلاهما رائد‬
  ‫موضوعيًّا بذاته‪ ،‬تحتل فيه‬                                                      ‫من رواد تاريخ هذا الشعر‬
 ‫قيم التخييل الأدبي صدارة‬              ‫موضو ًعا شعر ًّيا جدي ًرا‬                    ‫‪-‬على الرغم من اختلافه‬
    ‫الاهتمام‪ ،‬وغايته الأولى‪.‬‬      ‫بالالتفات إليه‪ ،‬أو الكتابة فيه‪،‬‬                 ‫معهما‪ -‬أحدهما هو امرؤ‬
‫النخلة عند شوقي هي النخلة‬                                                       ‫القيس‪ ،‬أما الآخر فهو أحمد‬
‫في إحالتها المادية‪ ،‬أما النخلة‬      ‫وإن أمكن لقراءات حصيفة‬                       ‫شوقي‪ .‬وحينئ ٍذ يتقاطع ما‬
 ‫عند محمود قرني فمفتوح ٌة‬            ‫أن ترى في صورة النخلة‬                     ‫هو نثري مع ما هو عمودي‪،‬‬
  ‫على الرمز‪ ،‬على الأنثى‪ ،‬على‬          ‫في بعض الأحوال معاني‬                        ‫ويتقاطع نص من موجات‬
     ‫التراث‪ ،‬على الآخر‪ ،‬على‬         ‫ودلالات خاصة‪ ،‬ومتفردة‪،‬‬                        ‫التجديد الأخيرة مع ذرو ٍة‬
  ‫الكتابة‪ ..‬وأي ًضا على النخلة‬       ‫فإنها أب ًدا تظل مشب ًها به‪.‬‬              ‫من ُذرى نضجه القديم ممث ًل‬
                                    ‫هي على الدوام أف ًقا مواز ًيا‬                   ‫في امرئ القيس‪ ،‬وذروة‬
                     ‫ذاتها‪.‬‬                                                        ‫أخرى من ُذرى استعادة‬
   ‫على أن التقاطعات النصية‬              ‫لموضو ٍع شعري آخر‪.‬‬
‫الأكثر كثافة بين نص النخلة‬             ‫ويأتي شاعر عظيم مثل‬                           ‫هذا النضج في العصر‬
    ‫ونصوص الشعر القديم‬               ‫شوقي ليلحظ هذا المنحى‬                        ‫الحديث ممث ًل في شوقي‪،‬‬
 ‫الأخرى نجدها مع نصوص‬               ‫في الكتابة الشعرية‪ ،‬وليرى‬                      ‫ليدلل النص بهذا التقاطع‬
                                   ‫في النخلة بذاتها جدارة بأن‬                   ‫على أن الشعر حلقة واحدة‪،‬‬
              ‫امرئ القيس‪.‬‬           ‫تكون هي نفسها موضو ًعا‬                       ‫فمع اختلاف أشكاله‪ ،‬ومع‬
    ‫وعندما يحفر النص عند‬          ‫شعر ًّيا كبي ًرا‪ ،‬تجاهله الشعر‬                ‫الافتراق العميق بين شعرية‬
     ‫الجذور عائ ًدا إلى امرئ‬      ‫العربي‪ ،‬أو غفل عنه‪ ،‬فيقول‪:‬‬                      ‫نصوص شوقي وشعرية‬
    ‫القيس وشعره عن المرأة‬              ‫أليس َح َرا ًما ُخلُو القصا‬             ‫نصوص امرئ القيس وكذلك‬
  ‫‪-‬فيما ُصنِّ َف تحت مسمى‬         ‫ئد من َو ْص ِف ُك َّن و ُعط ُل ال ُك ُتب‬       ‫شعرية نص محمود قرني‪،‬‬
     ‫«الغزل»‪ -‬فإن الأمر لا‬          ‫وأ ْن ُت َّن في الها ِجرا ِت الظلا ُل‬
  ‫يتعلق حينئ ٍذ بشعر يتوجه‬                                                          ‫ثمة جوه ٌر واحد يجمع‬
    ‫شكليًّا إلى المرأة في حين‬              ‫كأ َّن أعالِ َي ُك َّن ال َع َب َب‬   ‫بينهما‪ ،‬وثمة حقيقة واحدة‪،‬‬
    ‫يرمي لأشياء أُخر‪ ،‬وإنما‬          ‫وأ ْن ُت َّن في البي ِد شا ُة المُعيل‬       ‫هي الحقيقة الشعرية‪ ،‬التي‬
                                     ‫َجناها بجانب أُ ْخرى َح َلب‬
                                    ‫وأ ْن ُت َّن في َع َرصا ِت ال ُقصور‬

                                        ‫ِحسا ُن ال ُّدمى الزائنا ُت‬
                                                   ‫ال َر َحب(‪)26‬‬
   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190