Page 178 - merit 42 jun 2022
P. 178

‫العـدد ‪42‬‬                                ‫‪176‬‬

                                       ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬                         ‫الزيجات النباتيَّة إلى تطلعا ٍت‬
                                                                           ‫بشر َّية وزيجات ُح ْلميَّة مع‬
    ‫النخلة بصدره المعطوب‪،‬‬               ‫الأسطور َّية للنخلة‪ ،‬والقائمة‬
              ‫يحدث نفسه‪:‬‬                    ‫على الخصوبة والتجدد‬                ‫النخلة‪ /‬الأنثى المطلقة‪.‬‬
                                            ‫والاستمرار‪ ،‬إذ «ربطت‬           ‫لقد حملت الذات إلى النخل ِة‬
    ‫«الآن فقط أسمع صوتي‬                                                    ‫الملاذ أمنيا ِت الجسد‪ ،‬حيث‬
        ‫كنت أحتاج إلى ذلك»	‬              ‫شعوب البحر الأبيض بين‬             ‫واقع المتعة وتحرير الرغبة‪،‬‬
             ‫س (‪.)22 ،21‬‬                   ‫عمليات إخصاب النخيل‪،‬‬
       ‫إن عشتار التي تبدت‬                  ‫أو ما ُي ْع َرف بـ»الطلوع»‬           ‫بعد أن أفقدها الإخفاء‬
                                                                             ‫والكبت والتن ُّكر وجودها‬
     ‫في تراتيل بلاد الرافدين‬             ‫أو التلقيح‪ ..‬وبين الموت ثم‬
   ‫وصلواتها بوصفها سيد ًة‬                  ‫القيامة‪ ،‬أو توالي الولادة‬                        ‫الأصيل‪.‬‬
   ‫للشفاء(‪ )15‬تتماهى هنا مع‬                           ‫والاستمرار‪.‬‬        ‫والعلاقة مع النخلة أقرب إلى‬
 ‫النخلة التي كانت تظهر فيما‬                   ‫ولعل مطاردة أصداء‬           ‫أحوال الصوفيّة ومقاماتهم‪،‬‬
  ‫مضى بوصفها أيقون ًة لها‪.‬‬                 ‫«عشتار» في النص تصل‬
  ‫لقد كانت الذات بحاجة إلى‬                ‫لدينا بين النخلة‪ ،‬وبين ما‬         ‫من حيث الأحوال مواهب‪،‬‬
 ‫هذه العلاقة‪ ،‬بحاجة إلى هذه‬                                                    ‫ترد على القلب من غير‬
 ‫الأنثى‪ ،‬فمواقعتها والالتحام‬            ‫هو عشقي جنسي‪ ،‬وبين ما‬                   ‫اكتساب‪ ،‬أ َّما المقامات‬
  ‫بها كش ٌف عن كل التبد َّيات‬            ‫هو أمومي أي ًضا؛ فقد َو َّح َد‬
  ‫في الطبيعة والكون‪ ،‬عن أن‬             ‫الفينيقيون بين النخلة‪ -‬التي‬         ‫فمكاسب يصل إليه السالك‬
    ‫وراء هذا الوجود الظاهر‬                                               ‫بالصبر والمجاهدة(‪ ،)11‬فالذات‬
   ‫المحدد وجود كوني أعمق‪،‬‬                 ‫كانت أيقون ًة على «شجرة‬
   ‫لا نهائي‪ .‬لقد َغ َدت النخلة‬          ‫الحياة في الشرق»(‪ )12‬والتي‬          ‫قبل صعود النخلة في حال‬
‫منشأً للوجود الفعلي الحقيقي‬                                               ‫عو ٍز روحي‪ ،‬واحتياج كبير‪،‬‬
  ‫للجسد والروح‪ ،‬لا الوجود‬                    ‫َع َّدها الساميون بعامة‬
                                             ‫«شجرة الحياة في جنة‬                  ‫تكرره وتؤكد عليه‪:‬‬
              ‫المادي المُ َف َّرغ‪.‬‬       ‫َع َدن‪ ،‬وبين آلهة الإخصاب‬               ‫«كنت أحتاج إلى ذلك‬
     ‫و ُي ْرفد دلالا ِت النخل ِة في‬                                         ‫أحتاج إلى الغبار والصفير‬
 ‫النص أي ًضا ما يرتبط به في‬                    ‫الجنسي أو التعشير‬         ‫واصطكاك الأسنان في نصف‬
  ‫المخيِّلة الشعبية العربية من‬            ‫«عشتروت» أو «عشتار»؛‬
   ‫طقوس وشعائر سحر َّية‪،‬‬                ‫فالنخلة كانت شجرة الميلاد‬                              ‫طوبة‬
    ‫فيبدأ بالخوف والتَّ َض ُّرع‬           ‫أو شجرة العائلة عند كل‬                     ‫أحتاج أغراضي‬
    ‫ُم َمثَّ ًل في كتابة «تعويذة»‬      ‫شعوب غرب آسيا‪ ،‬في مصر‪،‬‬                   ‫أحتاج طري ًقا محفوف ًة‬
  ‫تتخذها الذات ‪-‬التي تحكي‬                ‫وبابل‪ ،‬وفينيقيا‪ ،‬والجزيرة‬          ‫بالمخاطر» س (‪.)27 :22‬‬
    ‫عن نفسها‪ ،‬ويحكي عنها‬                  ‫العربية»(‪ ،)13‬وكانت ُت َص ُّك‬      ‫إن الحياة المليئة بالوحدة‬
      ‫النص أحيا ًنا بالغياب‪-‬‬              ‫على النقود في شكل نخلة‬         ‫والوحشة تتحول بعد معاينته‬
  ‫دريئ ًة لها من شي ٍء ما‪ ،‬من‬                                             ‫و َت َو ُّحده إلى أُ ْن ٍس وطمأنينة‪.‬‬
     ‫خو ٍف ما؛ َف ُت َر ُّش حولها‬                 ‫وافرة الثمار(‪.)14‬‬        ‫وتعود لتنقلب إلى إحسا ٍس‬
      ‫المياه الصافية‪َ ،‬م ْرضا ًة‬          ‫لقد تقاسمت «عشتار» في‬             ‫عميق بالمرارة والأسى في‬
   ‫لتلك القوى العليا المهيمنة‪،‬‬             ‫بلاد الرافدين مع «ننتو»‬            ‫نهاية النص عند انقطاع‬
  ‫وتقد ُم أعوا ُد الشيح ‪-‬طي ِب‬                                                     ‫الأنوثة عن النخلة‪.‬‬
    ‫الرائحة‪ُ -‬ق ْربا ًنا ُي ْل َقى به‬       ‫(أو «مامي» أو «ننماخ»‬
    ‫إلى «قلب» النخلة‪ ،‬على ما‬               ‫أو «ننخرساج») وظائف‬                ‫(ج) المق َّدس‬
  ‫يمكن أن توري إليه مفردة‬                  ‫الأم الكبرى الموروثة عن‬            ‫الأسطوري‪:‬‬
                                        ‫العصور السالفة‪ ،‬وفي حين‬
                                        ‫بقيت «ننتو» الأم‪ -‬الأرض‪،‬‬           ‫ويعيد النص في هذا المقطع‬
                                       ‫صارت عشتار الحب‪ ،‬وروح‬                  ‫الأ َّول إنتاج هذه الدلالة‬

                                               ‫الخصوبة الكونيّة‪.vi‬‬
                                       ‫لقد هبط الشاعر من صعوده‬
   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183