Page 175 - merit 42 jun 2022
P. 175

‫‪173‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

   ‫الوعي الاجتماعي العميق‬                                                ‫النص ‪-‬محل الدراسة‪ -‬كما‬                                  ‫المبدئي وانتماءه النوعي‪.‬‬
   ‫الذي تحفل به القصيدة؛‬                                                  ‫ليقحرأظ ٍاةلآونايّقة‪،‬ع‪،‬يقو ُيع َعبِّع ُرندعمنلتقى‬     ‫تتخذ الدراسة من التناص‬
   ‫تفارق لغتها إجما ًل مذاق‬                                                                                                    ‫آليَّ ًة لقراءة النص‪ ،‬والمسألة‬
                                                                             ‫مجموع ٍة من النصوص‬                              ‫بحا ٍل ليست ِم ْن قبيل دراسة‬
      ‫الشعر العربي القديم‬                                                  ‫الأخرى السابقة؛ منها ما‬                            ‫مصادر الصورة‪ ،‬أو دراسة‬
 ‫وآلياته‪ ،‬لِ ُت ْك َتب بلغ ٍة أخرى‪،‬‬                                          ‫هو ديني‪ ،‬أو صوفي‪ ،‬أو‬                               ‫التأ ُّثر المباشر أو ال ِّض ْمني‬
                                                                        ‫أسطوري‪ ،‬أو شعري‪ ،‬بحيث‬
   ‫عجحلرمىايلتيَّق ٍةصد ٍةيممدخوتتلًمجفاةر‪،‬بعةل ِىح ْرتشق َعدصرييهماٍة‬    ‫يغدو التناص نفسه حينئ ٍذ‬                                ‫بين الشعراء‪ ،‬بل هي في‬
 ‫شديدة الارتباط موضوعيًّا‬                                               ‫علام ًة على الطريقة التي يقرأ‬                          ‫زاوي ٍة منها دراسة لجماليَّة‬
                                                                          ‫بها الن ُّص التاري َخ و َي ْن َد ِم ُج‬               ‫التعامل مع موضوع أدبي‬
       ‫بمجتمعها وسياقها‪.‬‬                                                                                                        ‫أو تقليد فنِّي‪ ،‬عبر مرحلة‬
    ‫يكتب محمود قرني هنا‬                                                                        ‫فيه‪.‬‬
    ‫عن (النخلة‪ /‬الأنثى) أو‬                                              ‫إن ألق استخدام نص محمود‬                                     ‫من مراحل تاريخيته‪،‬‬
  ‫عن (الأنثى‪ /‬النخلة)‪ ،‬على‬                                                                                                       ‫إضافة إلى َت َب ُّصر الموقف‬
  ‫ما يمكن أن تشير إليه كل‬                                                 ‫قرني لنصوص أسلافه أنه‬                                 ‫الفكري‪ /‬الجمالي لقصيدة‬
  ‫منهما؛ النخلة والأنثى كل‬                                               ‫يفتح صدره واس ًعا لدخول‬                                 ‫أنتجها شاعر يمثل ‪-‬على‬
  ‫على حده‪ ،‬أو تشير إليه في‬                                                                                                     ‫نحو من الأنحاء‪ -‬طر ًفا في‬
‫ظل إشارة الأخرى وأبعادها‬                                                    ‫شذرات أسلوبيّة ودلاليّة‬                           ‫شعري ٍة أو شعريات مختلفة‬
   ‫الدلالية؛ فلحظة ما يكتب‬                                               ‫من نصوص متعددة‪ ،‬ولكن‬
‫عن النخلة؛ يكتب عن الأنثى‬                                                 ‫دون أن تتج َّمع م ًعا في أُ ُفق‬                          ‫بعض الاختلاف‪ ،‬تشق‬
   ‫وغيرها‪ ،‬ولحظة ما يكتب‬                                                                                                      ‫لنفسها جدولها الذي يتدفق‬
‫عن الأنثى؛ يكتب عن النخلة‬                                                    ‫وحيد ضيِّق‪ ،‬أو تتجمع‬
                                                                            ‫لتحاصره‪ ،‬وتفرض عليه‬                                 ‫عبر خارطة الشعر الغنية‬
                  ‫وغيرها‪.‬‬                                                   ‫أُ ُب َّو ًة مزعوم ًة‪ ،‬يبدو معها‬                                    ‫بتنوعها‪.‬‬
    ‫ويأتي النص في مقاطع‬                                                    ‫كما لو كان امتدا ًدا طبيعيًّا‬
                                                                        ‫لها‪ .‬ليظل الاختبار الحقيقي‪:‬‬                               ‫وتبدو القراءة التناصيَّة‬
                    ‫ثلاثة‪:‬‬                                              ‫كيف يمكن للقصيدة أن تنظر‬                               ‫هنا أكثر قدرة على الكشف‬
       ‫‪ -‬يقدم الأ ّول علاقة‬                                               ‫لتراثها‪ ،‬كيف يمكن لها أن‬
  ‫(الرجل‪ -‬النخلة)‪ ،‬وبؤرته‬                                               ‫تصارع مرجعياتها‪ ،‬دون أن‬                                   ‫عن دلالة النص الأدبيّة‪،‬‬
     ‫«الرجل»‪ .‬س (‪.)28 :1‬‬                                                ‫ُت ْقتل على يد ماضيها القوي؟‬                                ‫إذ لا تستطيع القراءة‬
     ‫‪ -‬ويقدم الثاني علاقة‬
  ‫(النخلة‪ -‬الرجل)‪ ،‬وبؤرته‬                                                      ‫والقصيدة هنا نموذج‬                                  ‫السطر َّية المشتركة بين‬
    ‫«المرأة»‪ .‬س (‪.)42 :29‬‬                                                ‫لقصيدة النثر عندما ُت ْع ِرض‬                             ‫جميع النصوص‪ ،‬أدبيَّ ًة‬
  ‫‪ -‬أما الأخير فيق ِّدم علاقة‬                                            ‫عن اليوم ِّي‪ ،‬عن ال َم ِد ْينِ ِّي عن‬                 ‫كانت أو غير أدبيّة أن تنتج‬
  ‫(الرجل‪ -‬المرأة)‪ ،‬وتصبح‬                                                                                                       ‫‪-‬كما يقول ريفياتير‪ -‬غير‬
  ‫«النخلة» بؤرته‪ .‬س (‪:43‬‬                                                    ‫الاستهلاك ِّي إلى الطبيعة‪،‬‬
                                                                          ‫إلى الطقوسي والشعائري‪،‬‬                                               ‫المعنى(‪.)2‬‬
                     ‫‪.)82‬‬                                                                                                    ‫ويحقق انتهاج التناص أمرين‬
 ‫وتبدو العلاقة بين الشاعر‬                                                     ‫إلى الرمزي الذي تكتبه‬
                                                                          ‫لغ ٌة َت َت َقلَّ ُب في َز َخم التراث‪،‬‬               ‫على الأقل؛ أولهما‪ :‬بيا ُن أن‬
     ‫والنخلة عند كل مقطع‬                                                   ‫وتتقافز فيما بين أدائيات‬                            ‫ُك َّل َن ٍّص هو فضا ٌء لتقاطع‬
    ‫كما لو كانت بحاجة إلى‬                                                 ‫قصيدة النثر‪ ،‬ولغة الشعر‬                               ‫نصو ٍص متعدد ٍة‪َ ،‬ت َس َّر َبت‬
   ‫استظهار علاقات أخرى‬                                                     ‫العربي القديم‪ ،‬ونصوص‬                                 ‫متتالياتها الرمز َّية إلى هذا‬
  ‫قا َّرة في عمق هذه العلاقة‬                                            ‫التراث الديني‪ ،‬والأسطوري؛‬                               ‫النص الذي يمارس عليها‬
                                                                                                                                 ‫سلطة التبديل والتحويل‪.‬‬
                                                                                   ‫القديم والمعاصر‪.‬‬                             ‫وكل حيازة لمتتالية رمز َّية‬
                                                                           ‫ولكنها على الرغم من هذا‬                            ‫من َن ٍّص ما هي إعادة قراء ٍة‬
                                                                                                                                ‫لها ولِ َن ِّصها‪ .‬وثانيهما‪ :‬أن‬
   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180