Page 192 - merit 42 jun 2022
P. 192

‫العـدد ‪42‬‬                                  ‫‪190‬‬

                                                            ‫يونيو ‪٢٠٢2‬‬                         ‫د‪.‬أحمد الشيمي‬

‫فيتأخر‪ ،‬وهنا ربما تتكشف‬      ‫«جدران بحدود السماء»‬           ‫أزمة وجود في ديوان «قصائد الغرقى»‪..‬‬
      ‫أمامنا دلالة العنوان‬                                      ‫للشاعر محمود قرني‬
                                  ‫هي العبارة الأولى التي‬
  ‫الرئيس للديوان «قصائد‬           ‫يطالعها القارئ لديوان‬
    ‫الغرقى»‪ .‬إنها مفردات‬        ‫«قصائد الغرقى» للشاعر‬
                                ‫محمود قرني (في الطبعة‬
 ‫تحيلنا في الأغلب إلى قصة‬
    ‫الخلق الأولى بمشهدها‬            ‫الثانية‪ ،‬طبعة خاصة‬
                             ‫‪ ،)2010‬وهي العلامة الأولى‬
 ‫المهيب الذي اضطربت لـه‬
  ‫الأرض والسماء‪ ،‬ليسفر‬          ‫على الوجود المتأزم للذات‬
 ‫الاضطراب في النهاية عن‬         ‫داخل جدران على رحابة‬
‫مخلوقات ضعيفة‪ ،‬وكائنات‬         ‫المساحة المكانية داخل هذه‬
  ‫تعيسة تتخبط بين الموت‬         ‫الجدران‪ .‬من هذه اللحظة‬

     ‫والحياة‪ ،‬وهي مفارقة‬          ‫يدرك القارئ أن الذات‬
   ‫دالة بين خطورة الحدث‬         ‫الشاعرة تعاني من أزمة‬
  ‫ونتائجه‪ ،‬نعرف ذلك من‬        ‫وجود على مستويي الزمان‬
   ‫عبارة‪« :‬نحن أبناء الله»‪،‬‬       ‫والمكان تبدأ في الديوان‬
  ‫ويدل عليها ذلك «الغرام»‬    ‫بالقصيدة الأولى «أبناء الله»‪،‬‬
                                 ‫وهي القصيدة المؤسسة‬
                   ‫الذي‪:‬‬     ‫لهذه الأزمة التي يمتزج فيها‬
 ‫كان يستذكر دروسه بين‬           ‫الفردي بالجمعي‪ .‬فأزمة‬
                                 ‫الذات هي أزمة البشرية‬
                   ‫قلبين‪.‬‬      ‫نفسها في القصيدة الأولى‬
      ‫في تلك الليلة المطيرة‬    ‫التي تأتي كفصل في كتاب‬
 ‫أغارت السماء على قدمين‬         ‫سفر التكوين‪ ،‬أي بمثابة‬
                                ‫تصدير لموضوع الديوان‬
                 ‫ناعمتين‬         ‫المتصل بوجود البشرية‬
         ‫فظنا أنها القيامة‬   ‫وما صاحب ذلك من خطيئة‬
 ‫وعندما رأيا الصحراء على‬       ‫أصبحت هي حلقة الوصل‬

             ‫صفحة المياه‬           ‫بين الأرض والسماء‪.‬‬
     ‫أدركا أنهما في سراب‬            ‫يتبدى هذا الفهم على‬
                              ‫خلفية المفردات التي تتصل‬
                  ‫الأبدية‬        ‫وشائجها بالأسطورة‪-‬‬
      ‫فتزوجا وأنجبا بنين‬          ‫الخطيئة‪ ،‬النوم‪ ،‬سراب‬
                                 ‫الأبدية‪ -‬وأخي ًرا الغراب‬
                  ‫وبنات‪.‬‬       ‫الذي ينعق مختت ًما المشهد‬
   ‫من الممكن إذن أن يكون‬      ‫على نهاية معروفة في سفر‬
                                ‫التكوين (‪ )8 -6 :8‬حين‬
      ‫الوجود قد بدأ بهذه‬         ‫كان رسول نوح ليزوده‬
     ‫الغضبة الجائحة التي‬           ‫بالأخبار بعد الطوفان‬
      ‫قذفت بالاثنين طر ًدا‬
    ‫من الأبدية إلى سرابها‬
   ‫في مشهد درامي بنفس‬
   ‫الحضور الأول (إبليس‪،‬‬
  ‫الملائكة‪ ،‬وإرادة السلالة)‬
‫وما استتبع ذلك من وجود‬
   ‫متصل بالعدم يلعب فيه‬
   187   188   189   190   191   192   193   194   195   196   197