Page 37 - merit 42 jun 2022
P. 37
35 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
محمد عليم محمد عابد الجابري ولم تصفق له السماء مر ًة واحدة!
لم تصفق السماء ،ولن تصفق للذين يكتفون
كامنًا في اللاوعي ُمتسل ًطا على الوعي و ُمتجليًا في بالدعاء شماع ًة وحقيب ًة نفسية ُيلقون فيها بمكنون
الفعل اليومي. صدورهم وما عجزت عنه أياديهم دون سعي،
بل إن ما يسعون في تحصيله ويحسبون أنهم
إن القبيلة الشعرية (الأب الأدبي) التي أرادت أن ُيحسنون ُصنعا هو تضييع «الآخر» في دوامات
تؤدب الكرشابي بآدابها وتضيق عليه الخناق
من التسويف والتواكل والغفلة التي تقذ ُف
في ِرزق ِه الشعري ،لم تترك له فرصة للعيش إلا بالأبناء إلى َحج ٍر في صحراء جرداء ،تلفح الشمس
السرقة والإغارة على القوافل المسافرة أو العمل وجوههم ويكوي الجوع بطونهم ،و ُيناوشهم ُذبا ُب
ككات ٍب لقصيد ِة النثر! الجه ِل والرفض:
لكنني لا أحبه
()2 أما عن أسبابي
«في الخيال لا أذكر كم مرة قتلته .لم يبق لي إلا أن -إن كانت تعني أح ًدا غيري-
أقتله في الواقع». ُخذ عندك:
هذا هو قول ُمحمد شكري في مأسا ِت ِه «ال ُخبز ألا تكفي خطيئته ال ُكبرى
الحافي» ،وهو في الحقيقة معذو ٌر إذ وص َف أباه أنه في لحظة نز ٍق
بأبشع الصفات ونعت ُه بأشنع النعوت في تعامله ألقى بي إلى العالم
معه ومع أخيه (قتله ضر ًبا) ومعه ،فكا َن متوق ًعا أن
ولم أكن والعالم مستعدين
يسعى إلى قتلِ ِه في الواقع. يكفي أنني
وبما أننا ما زلنا مع قصيدة «خيالات ال ُعزلة» من
المجموعة الشعرية «قطار المناشي» فإن لدى محمود أسي ُر حام ًل على كاهلي
الكرشابي أسبا ًبا إضافية تدفعه لقتل الأب فوق اسمه واسم أبيه وجده
اتفاق أسبابه مع بعض أسباب محمد شكري: إلى آخر عائل ٍة عاطل ٍة
عن أية موهب ٍة
ليس لي جد عظيم
مؤسف هذا بقدر ما هو محبط
لم يغتصب أي من جدودي
عرش مملكة ولو بعيدة
وهذه ُمقدمات يحاو ُل بها الشاعر انقلابه على أبيه
ُمبر ًرا استحقاقه القتل عن جدار ٍة .وحتى لا يظن بنا
القاريء الظنون ،فإن ما أتحدث عنه هو عملية قتل
مجازي وقتل معنوي للأب الأدبي ،الأب ال َجمالي
التقليدي ،وهي من سمات الشعراء الصعاليك
الذين ُينكرهم آباؤهم لفرط ما يأتون من جرأة أو
«وقاحة» في القول أو الفعل ،لكن الشاعر محمود
الكرشابي با َد َر بالتنكر لأبيه والانسلاخ عنه لأن
هذه نتيجة حتمية لصرا ٍع درامي ُمتصاعد في النص
الشعري وفي الواقع الذي يعيشه الشاعر المُهمش
عن عم ٍد من قبيلته المُحافظة ،المُحافظة على كل قدي ٍم
ولو كان رخي ًصا ،ولو كان باليًا ،ولو كان خط ًرا