Page 212 - m
P. 212
العـدد 60 210
ديسمبر ٢٠٢3 مفتتح:الحقيقة
كانت تصنع صو ًرا بيديها ورق ،ثم أرتني ما كتبت. تلك هي الأمور التي أعلمها
السوداوتين .حدي ٌث بيديها، شكوت إليها «لا أستطيع عن ظهر قلب
حدي ٌث بتعابير وجهها ،حدي ٌث الرؤية ،الظلام حالك» .نفخت
بالطباشير ،تلك هي اللغات باستياء ووضعت القصاصة اسمي «لولينج لوي يونج».
التي نشأ ُت معها ،لغا ٌت بلا على خزانة منخفضة وأشارت «پان كي ﭽنج» و»إدوين يونج»
إل َّي أن أنهض .أشعل ْت الموقد
صوت ولكنها قوية. تحت إبريق الشاي ،وعندما هما اسما زوج َّي السابقين،
عندما تلف شعرها بإحكام تصاعد الدخان ،ل َّف ْت وشا ًحا كلاهما ميت الآن وقد ذهبت
على رأسها ،ألعب بصندوق حول أنفها وفمها ،وصبَّت أسرارنا معهماُ « .روث لوي
زينتها المليء بالكنوز؛ فأخرج الماء في الإبريق لغسل وجهي.
منه مش ًطا مبه ًجا من العاج إذا ما وصل الماء إلى الغليان، يونج» هو اسم ابنتي التي
محفو ًرا عليه صورة دي ٍك في يبدأ طقسنا اليومي؛ فتدعك ُولدت في عام «تنين الماء» ،أما
كلا الطرفينُ -ولدت «ع َّمتي وجهي وتفرك أذن َّي ،تفرق
الغالية» في عام «الديك» .سعي ُت شعري من المنتصف وتسرح أنا فقد ُولدت في عام «تنين
جاهدة أن أُق ِّربها من أمي، خصلاته ،وتبلِّل أية خلصة النار»؛ لذا فنحن متشابهتان
فأرفع إليها ذاك المشط وأطلب تتش َّعث كأرجل العنكبوت .ثم ولكن بمنطقين متناقضين.
منها «ضعي هذا ،إنه جميل!». تلملم خصلات شعري الطويل أُوقن هذا كله ،إ َّل أ َّن هناك اسم
كنت صغيرة كفاية حتى أدرك في ربطتين اثنتين وتضفرهما واحد لا أتمكن من تذ ُّكره ،إ َّنه
فتربط أعلاهما بشريطتين هناك يقبع في أعمق طبقات
أن الجمال ينبع من قيمة حمراوتين وأسفلهما بأخرتين ذاكرتي ولا يمكنني أن أن ِّقب
الأشياء. خضراوتين .إذا ما هزز ُت
رأسي تتأرجح الضفيرتان عنه .أحاول مائة مرة أن
تهز «ع َّمتي الغالية» رأسها كأذني الجراء الملكيَّة السعيدة. أسترجع ذلك اليوم الصباحي،
وتزيح الوشاح عن وجهها تتشمم «ع َّمتي الغالية» الهواء عندما كتبت لي «ع َّمتي الغالية»
وتشير إليه مقطب ًة حاجبيها، من حولي كما لو كنت َجر ًوا هذا الاسم .وقتها ورغم بلوغي
ولسان حالها يقول دو ًما :وما صغي ًرا ،متسائلة عن سر هذه السادسة من عمري فقط ،فقد
الرائحة الطيبة المنبعثة مني!
جدوى الجمال لمن مثلي؟ كانت تلك النشقة هي وسيلتها كنت ذكية وأستطيع القراءة
تلامس خصلات شعرها في قول «يا صغيرتي»( ،)2كانت والحساب وأن أستحضر كل
حاجبيها مثلي ،أما شعرها هذه هي وسيلتها في التعبير. شيء في ذهني .ها هي ذكرى
فكان ملفو ًفا ككعكة تغرزها لم يكن لديها صوت ،فقط ُلهاث
بعو ٍد فضي ،كانت لديها جبهة وأزيز وحفيف يشبه ريا ًحا ذاك الصباح الشتوي:
بلون الخوخ المعسول وعينان غاضبة ،تخبرني بالأشياء عبر كنت ناعسة وما أزال مستلقية
واسعتان وخدان ممتلئان عبوس وجهها أو تأ ُّوهاتها،
يستد َّقان عند أنفها المكتنز من خلال تراقص حاجبيها أو على مصطبة «الكانج»()1
الصغير ،كان هذا هو الجزء عينيها اللتين ترشقان وجهي الحجرية الذي تشاركني
الأعلى من وجهها .ثم يجيء كالسهام ،تعلِّمني أمور العالم فيها «ع َّمتي الغالية» .ولأن
الجزء السفلي .تقشعر أناملها من حولي عبر لوح الطباشير ماسورة التدفئة المؤدية إلى
السوداء عنده كألسنة اللهب الذي أحمله معي أينما ذهبت. حجرتنا الصغيرة هي الأبعد
الجائعة :انظري إلى فعل النار! عن الموقد القابع في غرفة
لم أ َر أنها قبيحة ،ليس بنفس البيت المشتركة ،أصبح القرميد
الطريقة التي تراها بها عائلتنا، تحتي شديد البرودة .شعر ُت
يو ًما ما سمعت أمي تعلق بهزة في كتفي ،عندما فتح ُت
عين َّي ،كانت «ع َّمتي الغالية» قد
بدأت في الكتابة على قصاصة