Page 214 - m
P. 214

‫العـدد ‪60‬‬                                   ‫‪212‬‬

                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                               ‫الخاصة بأرواح أسلافنا‪-‬‬
                                                                             ‫أسلاف «ل ِوي»‪ ،‬وقد ُنحتت‬
 ‫لمدة طويلة حتى بالكاد أتذ َّكر‬      ‫حذائها‪ .‬لا أزال أستطيع رؤية‬
               ‫أين وضعتها‪.‬‬             ‫هذا‪ -‬القماش الأزرق المغبَّر‬              ‫أسماؤهم على وجوههم‬
                                          ‫والرقبة السوداء وورقة‬               ‫الخشبية‪ .‬أخبرتني «ع َّمتي‬
  ‫في الصباح الذي تذ َّكرت فيه‬           ‫الشجر المط َّرزة بدقة مكان‬         ‫الغالية» بأ َّن ليست كل الألواح‬
‫أمر الصندوق‪ ،‬ذهبت إلى حيث‬                ‫الثقب المُرتق‪ .‬حسبت أنها‬           ‫منصوبة هناك‪ ،‬فقط الخاصة‬
                                                                           ‫بهؤلاء الذين ترى عائلتنا أنهم‬
    ‫أحتفظ بهدية عيد ميلادي‬           ‫ستقوم بإحراق حذائها كأحد‬               ‫ذوو أهمية‪ .‬أما ألواح الأفراد‬
    ‫التي أعطتني (لوي) إياها‪،‬‬        ‫النذور المُهداة للأموات‪ ،‬ولكنها‬        ‫العاديين أو النساء فهي عالقة‬
 ‫عق ٌد رمادي من هاواي‪ ،‬جميل‬
‫بشكل لا يصدق‪ .‬عندما فتحت‬                 ‫أخرجت من بطانة الحذاء‬                    ‫منسية في الصناديق‪.‬‬
    ‫غطاء الصندوق تصاعدت‬                ‫قصاصة الورق ذات الكتابة‬              ‫أوقدت «ع َّمتي الغالية» بعض‬
  ‫سحابة من العثَّة وسرب من‬              ‫التي أرتني إياها قبل ذلك‪.‬‬           ‫أعواد البخور‪ ،‬ثم نفخت فيها‬
   ‫حشرة السمك الفضي‪ ،‬وفي‬              ‫أومأت برأسها وقالت بيديها‬
 ‫الداخل رأيت شباك العنكبوت‬           ‫هذا اسم عائلتي‪ ،‬هذا اسم كل‬                ‫حتى إذا احترقت‪ ،‬تصاعد‬
    ‫وثقوب منسوجة الواحدة‬              ‫مجبِّري العظام‪ .‬ثبَّتت الورقة‬          ‫المزيد من الدخان‪ ،‬وارتفعت‬
  ‫تلو الأخرى‪ ،‬الزهور المط َّرزة‬     ‫أمام وجهي مرة أخرى‪ ،‬وقالت‬              ‫معه أنفاسنا المرتبكة وعطايانا‬
 ‫بالألوان المبهجة‪ ،‬اختفت كلها‪.‬‬       ‫إ َّيا ِك أن تنسي هذا الاسم أب ًدا‪،‬‬     ‫وسحب ضبابية‪ .‬ظننت أنها‬
 ‫أغلب الأشياء التي تعنيني في‬         ‫ثم وضعت ال ُقصاصة بحرص‬               ‫ربما أشباح تحاول أن تنتزعني‬
 ‫الحياة ينتهي مآلها إلى الفقد‪،‬‬        ‫فوق المذبح‪ ،‬انحنينا واعتدلنا‬           ‫بق َّوة لأتجول معهم في عالم‬
  ‫والأسوأ من ذلك فقدان اسم‬          ‫ثم انحنينا واعتدلنا‪ ،‬في كل مرة‬           ‫الـ(ين)(‪ )4‬السفلي‪ ،‬أخبرتني‬
                                    ‫تشرئب رأسي لأنظر إلى الاسم‬               ‫«ع َّمتي الغالية» ذات مرة أن‬
        ‫عائلة «ع َّمتي الغالية»‪.‬‬                                          ‫الجسد إذا ما مات صار بار ًدا‪،‬‬
   ‫«ع َّمتي الغالية»‪ ..‬ما اسمك؟‬             ‫المكتوب‪ .‬والاسم هو‪..‬‬           ‫ولأن البرد كان ينخر عظامي‬
 ‫لقد كنت أحتج باسمك وكأنه‬            ‫لماذا لا أتمكن من رؤيته الآن؟‬            ‫ذاك الصباح كنت مرتعبة‪،‬‬
   ‫اسمي‪ ،‬تعا َل ساعديني كي‬          ‫لقد دفعت إلى رأسي بمائة اسم‬             ‫فأخذت أئن والدموع تنضح‬
‫أتذ َّكره‪ ،‬لم أعد الطفلة الصغيرة‬     ‫من أسماء العائلات وأجريتها‬
                                      ‫على لساني‪ ،‬لكن لا يعود أ ٌّي‬              ‫من عيني «إنني باردة!»‪.‬‬
      ‫بعد الآن‪ ،‬لم أعد أخشى‬         ‫منها بأية ذكرى‪ .‬هل كان اس ًما‬               ‫جلست عمتي على مقعد‬
  ‫الأشباح‪ .‬هل ما زل ِت غاضبة‬         ‫غير مألوف؟ هل نسيته لأنني‬            ‫وقربتني نحو ِحجرها‪ ،‬وأخذت‬
‫مني؟ أ لا يمكن ِك التع ُّرف عليَّ؟‬                                          ‫تأنبني برفق‪ :‬توقفي عن هذا‬
                                       ‫أخفيته كس ٍّر لمدة طويلة من‬            ‫يا صغيرتي‪ ،‬وإلا ستتجمد‬
         ‫أنا «لولينج»‪ ..‬ابنت ِك!‬      ‫الزمن؟ ربما فقدته بالطريقة‬             ‫الدموع وتتحول إلى رقاقات‬
                                       ‫ذاتها التي أفقد بها أشيائي‬                ‫ثلجية تتد َّل من عيني ِك‪.‬‬
           ‫الهوامش‪:‬‬                  ‫المفضلّة‪ :‬السترة التي أعطتني‬          ‫أخذت تدلِّك قدمي بسرعة كما‬
                                      ‫(جاو لينج) إياها في طريقي‬              ‫لو كانتا قطعتين من عجين‬
   ‫‪ -1‬مصطبة حجرية أو خشبية‬                                                  ‫الفطائر‪ ..‬أهكذا أفضل؟ كيف‬
         ‫للجلوس بإزاء الحائط‪.‬‬            ‫إلى ملجأ الأيتام‪ ،‬الفستان‬               ‫تشعرين الآن‪ ،‬أفضل؟‬
                                       ‫الذي قال عنه زوجي الثاني‬                ‫بعد أن توقفت عن البكاء‬
   ‫‪ -2‬سيلحظ القارئ أن حديث‬              ‫إنه يمنحني طلَّة سينمائية‪،‬‬          ‫أشعلت «ع َّمتي الغالية» المزيد‬
   ‫«عمتي الغالية» مكتوب بالخط‬       ‫فستان الأطفال الخاص بابنتي‬              ‫من أعواد البخور‪ ،‬ثم رجعت‬
  ‫المائل لأنه ترجمة للغة الإشارة‬     ‫(لوي) عندما صغر عليها‪ .‬في‬              ‫إلى عتبة البهو والتقطت فردة‬
                                       ‫كل مرة أحب شيئًا يصحبه‬
                  ‫الخاصة بها‪.‬‬           ‫ألم استثنائي؛ أضع أفضل‬
          ‫‪ -3‬طبق صيني حار‪.‬‬           ‫حاجياتي في صندوق وأخبئها‬
     ‫‪ -4‬مبدأ الـ(ين) والـ(يان)‬
  ‫الصيني يشير إلى قوى الطبيعة‬
‫السلبية والإيجابية التي تتحكم في‬

                       ‫العالم‪.‬‬
   209   210   211   212   213   214   215   216   217   218   219