Page 213 - m
P. 213

‫‪211‬‬  ‫حول العالم‬

  ‫العائلة‪ .‬رأيت الطاهي العجوز‬          ‫في ساحة السوق‪ ،‬وأنا أضع‬         ‫قائل ًة‪« :‬يا إلهي‪ ،‬حتى الشيطان‬
     ‫يضخ الماء بذراعيه ويعيد‬            ‫قطع لحم الخنزير النيئة في‬          ‫ليقفز من جلده إذا نظر إلى‬
                                      ‫فمي المشتعل كالموقد وأضيف‬                          ‫وجهها!»‪.‬‬
   ‫إغلاق البئر‪ ،‬وسمعت إحدى‬              ‫إليها الفلفل الحار ومعجون‬
 ‫المستأجرات تصرخ في زوجة‬                ‫الفاصولياء ثم أقلِّب كل هذا‬     ‫عندما كنت صغيرة أحببت أن‬
‫ابنها الكسولة‪ .‬مررت بالحجرة‬                                             ‫أتحسس تلك المنطقة حول فم‬
                                          ‫وأق ِّدم اللقيمات إلى الناس‬     ‫«ع َّمتي الغالية»‪ ،‬بالنسبة إل َّي‬
   ‫التي تتشاركها أختي «جاو‬           ‫ليتذوقوها‪ .‬إن صاحوا «لذيذ!»‪،‬‬       ‫كانت مثل أحجية‪ .‬نصف فمها‬
     ‫لينج» مع أ ِّمنا؛ كلتاهما لا‬    ‫أفتح فمي ككيس النقود وألتقط‬       ‫كثير النتوءات‪ ،‬والنصف الآخر‬

             ‫تزالان نائمتين‪.‬‬            ‫عملاتهم المعدنية‪ .‬لكنني في‬         ‫أملس‪ ،‬ذائب حد الانسداد‪،‬‬
      ‫أسرعت أنا ومربيتي إلى‬               ‫أحد الأيام‪ ،‬تناولت بعض‬         ‫الجانب الداخلي لخدها الأيمن‬
 ‫الحجرة الصغيرة التي تواجه‬                                             ‫كان جا ًّفا كجلد الحيوانات‪ ،‬أما‬
   ‫«بهو الأسلاف»‪ ،‬على عتبته‬          ‫النيران فارت َّدت النار من جوفي‬   ‫الخد الأيسر فرطب ناعم يسفر‬
  ‫رمتني «ع َّمتي الغالية» بنظرة‬         ‫والتهمتني‪ .‬بعد ذلك قررت‬        ‫عن لثة سقطت عنها أسنانها في‬
    ‫تحذيرية‪ ،‬كوني متواضعة‬                ‫أن أتوقف عن عملي كوعاء‬         ‫مواضع الاحتراق‪ .‬أما لسانها‬
‫واخلعي نعلي ِك‪ .‬وطأت بجورب َّي‬                                          ‫فهو أشبه بجذر لاهث‪ ،‬لذا لم‬
 ‫البلاط الرمادي البارد‪ ،‬وفجأة‬        ‫للطبخ‪ ،‬وبد ًل عن ذلك أصبحت‬
‫طعن البرد القارس قدم َّي وأخذ‬                           ‫مربيتك!‬            ‫يكن بإمكانها تذ ُّوق مباهج‬
   ‫يسري في رجلي وينتقل إلى‬                                              ‫الحياة‪ :‬المالح أو المر‪ ،‬الحامض‬
  ‫سائر جسدي‪ ،‬حتى رشحت‬                    ‫كنت أضحك وأصفق بكلتا‬
                                         ‫يدي وقد أعجبتني القصة‬            ‫أو الحاد‪ ،‬الحار أو الحلو أو‬
        ‫أنفي‪ ،‬وبدأت أرتجف‪.‬‬           ‫المفبركة‪ .‬في اليوم الذي يسبقه‬                         ‫الدسم‪.‬‬
 ‫كان الحائط المواجه لي مكس ًّوا‬       ‫أخبرتني أنها كانت تحملق في‬
‫بلفائف الأبيات الشعرية‪ ،‬هدايا‬         ‫إحدى النجمات الجالبة لسوء‬             ‫لم يكن في مقدور أحد أن‬
                                         ‫الطالع‪ ،‬فسقطت نجمة من‬           ‫يفهم أسلوب «ع َّمتي الغالية»‬
    ‫لعائلتنا من الأساتذة الذين‬       ‫السماء إلى داخل فمها وأحرقت‬          ‫في الحديث‪ ،‬لذا يأتي دوري‬
‫يستخدمون الحبر الذي نصنعه‬                ‫وجهها‪ .‬اليوم الذي يسبق‬          ‫أنا بأن أرفع صوتي وأترجم‬
                                     ‫ذلك قالت إنها أكلت طب ًقا تظنه‬      ‫كلامها‪ ،‬بالطبع ليس عن كل‬
   ‫لما يزيد عن مائتي عام‪ .‬لقد‬         ‫الـ»هونان»(‪ )3‬الحار‪ ،‬لتكتشف‬        ‫شيء‪ ،‬ليس عن كل أسرارنا‪.‬‬
  ‫تعلَّم ُت قراءة إحداها‪ ،‬قصيدة‬      ‫فيما بعد أنه فحم مشتعل مع ٌّد‬
 ‫بعنوان «ظلال الأسماك تتد َّفق‬                                              ‫فلقد أخبرتني عن والدها‪،‬‬
‫مع مجرى النهر»؛ تعني مجا ًزا‬                             ‫للطهو‪.‬‬         ‫ُمجبِّر العظام الشهير في قرية‬
   ‫أ َّن الحبر الذي نمتلكه أسود‬          ‫لا مزيد من القصص‪ ،‬الآن‬
 ‫وجميل سلس بانسيابية‪ .‬على‬                                                  ‫«فم الجبل»‪ ،‬وأطلعتني على‬
                                           ‫تخبرني «ع َّمتي الغالية»‬    ‫مكان الكهف حيث وجدا سو ًّيا‬
   ‫طاولة المذبح الطويلة‪ ،‬يرقد‬            ‫وتح ِّرك يديها بسرعة‪ ،‬هذا‬     ‫عظام التنين المقدسة وأخبرتني‬
    ‫تمثالان‪ :‬إله الخلود بلحيته‬          ‫تقريبًا موعد الإفطار ويجب‬      ‫عن إمكانيتها في معالجة أي ألم‬
 ‫البيضاء المنسدلة كشلال الماء‪،‬‬
 ‫وإلهة الرحمة بوجهها الأملس‬                ‫علينا الصلاة قبل الأكل‪.‬‬        ‫ما عدا آلام القلوب المكلومة‪.‬‬
   ‫الخالي من أي تو ُّتر‪ .‬عيناها‬          ‫استعادت قصاصة الورق‬           ‫سألتها ذاك الصباح‪« ،‬أخبريني‬
 ‫السوداوتان تصبَّان في عين َّي‪،‬‬
  ‫تقول «ع َّمتي الغالية» إ َّن إلهة‬        ‫من الخزانة‪ ،‬طبَّقتها على‬      ‫مرة أخرى»‪ ،‬راجية إياها أن‬
     ‫الرحمة تستمع فقط لآلام‬              ‫نصفين ود َّستها في بطانة‬      ‫تخبرني بقصة احتراق وجهها‬
                                     ‫حذائها‪ .‬ارتدينا ملابس الشتاء‬
             ‫وأمنيات النساء‪.‬‬          ‫المحش َّوة ومشينا عبر الدهليز‬          ‫وكيف أصبحت ُمربيتي‪.‬‬
‫تنتصب حول التمثالين الألواح‬              ‫البارد‪ .‬يحمل الهواء رائحة‬       ‫ف ُتحرك يديها وعينيها قائلة‪:‬‬
                                      ‫الفحم المشتعل في جنبات بيت‬        ‫كنت إحدى آكلات النار‪ ،‬يأتي‬
                                                                           ‫المئات من الناس لمشاهدتي‬
   208   209   210   211   212   213   214   215   216   217   218