Page 283 - m
P. 283

‫الملف الثقـافي ‪2 8 1‬‬

 ‫حكاية بلا بداية ولا‬          ‫الكأس الرابعة يضيع رشاده‬       ‫«‪ -‬زعبلاوي! يا سبحان الله!‬
        ‫نهاية‬                  ‫وينسى ما جاء من أجله‪ ،‬ثم‬      ‫الرجل اللغز! يقبل عليك حتى‬
                                                             ‫يظنوه قريبك‪ ،‬ويختفي فكأنه‬
 ‫كما في «أولاد حارتنا» تعيد‬      ‫يغط في نوم عميق ويحلم‬
 ‫«حكاية بلا بداية ولا نهاية»‬     ‫حل ًما لم يحلم بمثل جماله‬     ‫ما كان‪ ..‬في وجهه جمال لا‬
 ‫كتابة تاريخ البشرية‪ ،‬ولكن‬    ‫من قبل‪ ،‬أفاق منه سري ًعا على‬      ‫يمكن أن ينسى‪ ..‬وبفضله‬
                                 ‫مفاجأة مذهلة‪ ،‬ففيما كان‬
    ‫هذه المرة من وجهة نظر‬      ‫يغط في النوم قدم زعبلاوي‬           ‫صنعت أجمل لوحاتي»‪.‬‬
‫التغيير العلمي وليس الديني‬        ‫وجلس لمائدتهما‪ ،‬وأخذه‬        ‫وهو نفس ما يؤكده الملحن‬
                               ‫العطف على النائم فراح يبلل‬
   ‫للكون والطبيعة والتاريخ‬      ‫رأسه بالماء لعله يفيق‪ ،‬لكنه‬      ‫الموسيقى «الشيخ جاد»‪:‬‬
    ‫والإنسان‪ .‬والأنبياء فيها‬   ‫انصرف قبل أن يفيق تما ًما‪.‬‬       ‫«هذا الرجل العجيب يتعب‬
 ‫ليسوا أنبياء الأديان ولكنهم‬    ‫ويغادر الراوي الحانة وهو‬
    ‫أنبياء عصر العلم الكبار‪:‬‬     ‫يترنح ويكاد يجن جنونه‪،‬‬          ‫كل من يريده‪ .‬كان أمره‬
  ‫كوبرنيك‪ ،‬داروين‪ ،‬فرويد‪.‬‬         ‫وعند كل منعطف ينادي‬        ‫سه ًل في الزمان القديم عندما‬
     ‫الشخصية الرئيسية في‬       ‫«يا زعبلاوي»‪ ،‬ولكن ما من‬
  ‫القصة هي الشيخ «محمود‬           ‫مجيب‪ ،‬حتى تجمع عليه‬         ‫كان يقيم في مكان معروف‪،‬‬
   ‫الأكرم» آخر خلفاء الأكرم‬    ‫غلمان السبيل فلاذ بالفرار‪.‬‬    ‫اليوم الدنيا تغيرت‪ ،‬وبعد أن‬
                              ‫وكانت حصيلة رحلة الباحث‬         ‫كان يتمتع بمكانة لا يحظى‬
      ‫قطب الأسرة الأكرمية‬
 ‫ومؤسس طريقتها الصوفية‬                         ‫هذا الأمل‪:‬‬        ‫بها الحكام بات البوليس‬
                                     ‫«حسبي أنني تأكدت‬           ‫يطارده بتهمة الدجل‪ ،‬فلم‬
     ‫المنتشرة في دول العالم‪.‬‬      ‫من وجود زعبلاوي‪ ،‬بل‬           ‫يعد الوصول إليه بالشيء‬
     ‫والقصة تبدأ من «البيت‬       ‫ومن عطفه عليَّ مما يبشر‬        ‫اليسير‪ ،‬ولكن اصبر‪ ،‬وثق‬
   ‫الكبير» الذي شاده مولانا‬      ‫باستعداده لمداواتي إذا تم‬
    ‫الأكرم ويطوف من حول‬                                                    ‫أنك ستصل»‪.‬‬
  ‫مريدو الأكرمية‪ ،‬والارتباط‬                       ‫اللقاء»‪.‬‬       ‫أخي ًرا يجد الراوي نفسه‬
‫الرمزي ما بين «أكرم» (أدهم‬                                    ‫متوغ ًل في رحلة بحثه بعي ًدا‬
‫في أولاد حارتنا) وآدم أظهر‬                                     ‫عن العلم والفن‪ ،‬منتق ًل إلى‬
  ‫من الإشارة إليه في القصة‪.‬‬                                  ‫الحدس التصوفي الذي يرمز‬
‫لكن ما هي حاجة‬                                               ‫له محفوظ بالسكر في صحبة‬
   ‫محفوظ إلى كل‬                                                ‫«ونس الدمنهوري»‪ ،‬وعقب‬
     ‫هذا الترميز؟‬
 ‫يجيب طرابيشي‪:‬‬
   ‫«كما أن مهابة‬
    ‫التراث الديني‬
  ‫هي التي ألجأت‬
‫نجيب محفوظ في‬
 ‫أولاد حارتنا إلى‬
 ‫ترجمة لغة الدين‬
  ‫والروح إلى لغة‬
  ‫دنيا وعلم‪ ،‬فإن‬
‫جرأة مشروعه في‬
   278   279   280   281   282   283   284   285   286   287   288