Page 145 - merit 48
P. 145

‫نون النسوة ‪1 4 3‬‬

    ‫تلو الأخرى‪ ،‬حتى أسقط من التعب‪ ،‬ماذا لو‬
    ‫أنني سمعت صرختها الآن؟! الصرخة‪ ،‬التي‬
  ‫ستكون أول الصرخات‪ ،‬ولن نتمكن بعدها من‬
   ‫إيقاف هدير الصرخات المحبوسة كالشياطين‬
   ‫في صدرها‪ ،‬ستنطلق‪ ،‬وتملأ كل أرجاء البيت‪،‬‬
  ‫وتجرفنا‪ ،‬أنا وهي‪ ،‬صوب الجحيم» ص‪.194‬‬
  ‫ظلت فاطمة تخشى أن تخرج صرخة‬
    ‫من صدر أمها بلا عودة؛ صرخة‬
‫تحمل كل آلام المرض وتبدل الأحوال‬

       ‫وخذلان الأهل وهجرة الأبناء؛‬
     ‫صرخة تكشف عن كل ما كتمته‬
   ‫طيلة حياتها‪ ،‬والذي كانت في قليل‬
  ‫من الأحيان تثور معبرة عن بعضه‬
    ‫حين ينكأ أحدهم جراحها التي لم‬
     ‫تندمل أب ًدا‪« :‬ثارت ذات مرة ثورة‬
  ‫عارمة‪ ،‬لا تنسى؛ البيت هادئ‪ ،‬وأنا في غرفتي‪،‬‬
 ‫أغلقت الباب عل َّي‪ ،‬وماما في غرفتها‪ ،‬بباب نصف‬
 ‫مفتوح‪ ،‬و»رمزي» يودع أخا زوجته عند الباب‪،‬‬
 ‫بصوت مسموع‪« :‬تحت أمرك يا حبيبي‪ ،‬هو أنا‬
 ‫ليا غيرك‪ ،‬ده أنت أخويا الوحيد»‪ ،‬بعد أن أغلق‬
   ‫الباب سمعت صو ًتا كالهدير‪ ،‬لم أميز من بين‬
   ‫عباراته غير‪« :‬أخوك؟!‪ ..‬ده أخوك؟!‪ ..‬مالكش‬
   ‫أخ خلاص؟!‪ ..‬نسيت أخوك؟! نسيت أخوك؟!‬

         ‫دخلا م ًعا إلى غرفتها‪ ،‬وهدأها» ص ‪.191‬‬
      ‫ولم يكن ثمة مفر من لحظة الألم الكبرى التي‬
    ‫ظلت فاطمة تخشاها‪ ،‬حين أصبح بقاء أمها على‬
 ‫قيد الحياة مسألة وقت ينقضي قريبًا‪ ،‬حينها فجر‬
   ‫الألم صرخات أمها المكبوتة منذ سنوات‪ ،‬وكانت‬
    ‫السيطرة عليها وتهدئتها أم ًرا بالغ الصعوبة «لا‬
      ‫أدوية‪ ،‬لا جرعات‪ ،‬لا شيء سوى الانتظار‪،‬‬
    ‫لم أنتظر طوي ًل‪ ،‬لم تم ِض أيام حتى بدأت في‬
‫الهذيان‪ ،‬هذيان لا يتوقف‪ ،‬لا تهدأ‪ ،‬تتحدث طوال‬
    ‫الوقت‪ ،‬لا تنام‪ ،‬تصرخ‪ ،‬وتجري إلى الشرفة‬
      ‫«حريقة‪ ..‬حريقة»‪ ،‬فأهرع وراءها‪ ،‬وأنادي‬
 ‫جارتنا تمسكها معي‪ ،‬كأن قوة مختزنة تفجرت‬
     ‫في جسدها النحيل‪ ،‬نسيطر عليها بصعوبة‬

                               ‫بالغة» ص‪.210‬‬
     ‫تحملت فاطمة وحيدة ‪-‬دون أخويها الغائبين‪-‬‬
      ‫مرض والدتها ووفاتها‪ ،‬لم يساندها إلا بعض‬
   140   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150