Page 149 - merit 48
P. 149

‫‪147‬‬           ‫تجديد الخطاب‬

‫توماس أديسون‬  ‫الشيخ محمد عبده‬            ‫ديستويفسكي‬                              ‫وتقاليد اجتماعية متطورة‪ ،‬لم‬
                                                                              ‫تنعدم ما يوصف رجعيًّا «مكارم‬
    ‫العقل المفاهيم المتعلقة‪ ،‬ويقوي‬         ‫الضرائب‪ ،‬والمصاريف الدراسية‪،‬‬
    ‫تواجدها أص ًل كمفاهيم تحتية‬             ‫ولا الختان‪ ،‬ولا تحفيظ الأطفال‬       ‫الأخلاق» في مجتمعات ما قبل‬
   ‫مؤسسة للعقل المصري الرجعي‬                                     ‫القرآن‪.‬‬       ‫الإسلام بمعايير ذلك الزمن‪ ،‬بل‬
 ‫بطبعه‪ ،‬وهكذا يتواصل إنتاجها في‬            ‫وفي العبيد والسبايا وما يماثلهم‬    ‫ينسب للرسول قوله‪« :‬إنما بعثت‬
 ‫تصرفات الناس‪ ،‬حملة ذلك العقل‪،‬‬                ‫من شؤون تمتلئ كتب التراث‬
   ‫مع تقديم الولاء لمنظومة الحلال‬                                                     ‫لأتمم مكارم الأخلاق»‪.‬‬
‫والحرام الرجعية على الولاء للحظة‬           ‫الديني وخاصة السيرة والحديث‬         ‫وما لا يدركه العقل الرجعي أن‬
‫الأخلاقية‪ ،‬والتي قد يمثلها القانون‪،‬‬        ‫بالقصص المنسوب بعضها للنبي‬        ‫الأخلاق نسبية مكارمها ورديئها؛‬
  ‫فيكون الزواج من قاصرة ممكنًا؛‬             ‫والتي لا يمكن تصور أنها تمثل‬     ‫بعض ما كان حسنًا في الماضي لم‬
 ‫لأنه جائز دينيًّا على الرغم من أنه‬        ‫نماذج للاقتداء في الوقت الراهن‪،‬‬    ‫يعد صال ًحا لهذا الزمن مثل؛ قتل‬
  ‫قانو ًنا غير مباح‪ ،‬كما أنه بالنسبة‬      ‫بل تنتاب أي شخص طبيعي أسوأ‬          ‫الأسرى‪ ،‬وسبي النساء‪ ،‬والقيود‬
‫للحظة الأخلاقية معبر عن انحطاط‬                                                ‫على حريات التفكير والتعبير‪ ،‬بل‬
                                              ‫المشاعر حين يسمع ما يتردد‬         ‫تغيرت ‪-‬ربما أكثر من مرة في‬
                         ‫شديد‪.‬‬           ‫رجعيًّا من أشياء مثل رضاع الكبير‬   ‫زمن النبوة القصير‪ -‬أحكام كثيرة‬
     ‫وفي أي نقاش حول الأخلاق‬                                                 ‫متعلقة بالأخلاق‪ ،‬مثل ما يوصف‬
‫يسارع َح َم َلة العقل الرجعي تقليد ًّيا‬      ‫ومفاخذة الصغيرة ومضاجعة‬            ‫بزواج المتعة الذي تأرجح بين‬
 ‫بإطلاق مقولات معبرة عن سمات‬              ‫الوداع‪ ،‬وعدم وجوب إلزام الرجل‬        ‫التقييد والإباحة حتى قيده عمر‬
    ‫العقل نفسه فيقال مث ًل‪« :‬إن لم‬                                              ‫بن الخطاب‪ ،‬وثبت عند التقييد‬
 ‫يكن الله موجو ًدا‪ ،‬فماذا يمنعك عن‬                   ‫بنفقات علاج زوجته‪.‬‬      ‫عند أهل السنة بالميل نحو المزايدة‬
 ‫أن تنكح أمك وأختك؟!»‪« .‬أترضاه‬               ‫ولعلنا نحتاج الآن للتأكيد على‬
  ‫لأمك؟! أترضاه لأختك؟!»‪ ،‬ويكأن‬          ‫خطورة الإلحاح بضخ هذه الأشياء‬                           ‫والتضييق‪.‬‬
   ‫«كفار قريش» كانوا يضاجعون‬              ‫في العقل من منصة المقدس الديني‬     ‫وقصارى ما يمكن الحصول عليه‬
                                              ‫ولو كانت لا وجود لها فعليًا؛‬  ‫من الحجة الأخلاقية القول بوجود‬
                                             ‫ذلك الإلحاح مؤثر؛ إنه ُيضعف‬
                                            ‫استبشاع تلك الأشياء‪ ،‬ويبث في‬        ‫الله تأسي ًسا على الزعم بوجود‬
                                                                              ‫ما يسمى الأخلاق المطلقة‪ ،‬وعادة‬

                                                                                ‫يخلط العقل الرجعي بينها وما‬
                                                                                ‫يوصف بالأخلاق الموضوعية‪.‬‬
                                                                                 ‫ولسنا في مقام نقاش من هذا‬
                                                                               ‫النوع‪ .‬يهمنا واقعنا والفاعل فيه‬
                                                                               ‫هو تصورات العقل الرجعي عن‬
                                                                              ‫الله‪ ،‬وبسببها عادة يتناول َح َم َلة‬
                                                                            ‫العقل الرجعي كلمة الأخلاق بذهن‬
                                                                                 ‫جنسي؛ حيث تحيل كلمة مثل‬
                                                                             ‫الانحلال إلى الجنس ولا تحيل إلى‬
                                                                             ‫افتقاد الالتزام في العمل مث ًل‪ ،‬ولا‬
                                                                             ‫يعد من سوء الخلق ولا من الشر‬
                                                                             ‫والانحلال اغتصاب الجواري فيما‬
                                                                            ‫يقال له ملك اليمين‪ ،‬ولا اغتصاب‪/‬‬
                                                                            ‫تزويج القاصرات دون سن النضج‬
                                                                            ‫العقلي والاجتماعي‪ ،‬ولا التهرب من‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154