Page 82 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 82

‫حقـوق الإنسـان والمجتمـع المدنـي‬

‫أمل مبروك عبد الحليم‪ :‬أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة‬

‫ورئيس مجلس قسم الدراسات الفلسفية بكلية الآداب – جامعة عين شمس‬

‫أساسية للإنسان‪ ،‬كحق التملك وحق الحياة وحق الاعتقاد‬                ‫تمهيد‬

                                    ‫‪ ...‬وغيرهـا(‪.)3‬‬               ‫ُيعُّد مفهوم «حقوق الإنسان» جزًءا جوه ّرًيا من الوعي‬
                                                                  ‫المعاصـر؛ حيـث شـغل حيـًاز واسـ ًعا مـن الاهتمـام العالمـي‬
‫ولقـد بلـورت الفلسـفة السياسـية الحديثـة مفهوًمـا واسـ ًعا‬        ‫والإعلامـي حتـى أصبـح مـن أهـم دعائـم النظـام العالمـي‬
‫للحريـة بوصفهـا ميـزة جوهريـة للإنسـان‪ ،‬كمـا طـورت فكـرة‬          ‫الجديـد‪ ،‬ومحـوًار أساسـًّيا للثقافـة التنويريـة ولد ارسـات‬
‫«التعاقـد» التـي هـي حجـر ال ازويـة فـي التصـور الحديـث‬           ‫إنسـانية شـتى‪ ،‬وقـد ارقـب الضميـر العالمـي باهتمـام كبيـر‬
‫لنشـأة المجتمـع وقيـام الدولـة ووضـع نظـام السـلطة‪ .‬وهكـذا‬        ‫هـذا المفهـوم فـي كافـة المجـالات السياسـية والوطنيـة‪ ،‬لمـا‬
‫أصبـح مفهـوم «حقـوق الإنسـان» جـزًءا أساسـًّيا مـن الفكـر‬         ‫لعبتـه الأفـكار السياسـية والمذاهـب الفلسـفية والنظريـات‬

                               ‫السياسـي الحديـث(‪.)4‬‬

‫الاجتماعيـة مـن دور بالـغ الأهميـة فـي صـ ارع الإنسـانية خصائص حقوق الإنسان‬

‫اكتسـب مفهـوُم «حقـوق الإنسـان» عبـر مسـيرة‬                       ‫ضـد الاسـتبداد وبـذل المحـاولات الجـادة لإرسـاء قواعـد‬
‫طويلـة خصائـص وسـمات واضحـة ميزتـه عـن غيـره مـن‬                  ‫فعالـة لحقـوق الإنسـان(‪)1‬؛ لذلـك اعتُبـر موضـوع «حقـوق‬
                                                                  ‫الإنسـان» حديـ َث المحافـل الدوليـة‪ ،‬والمحـور الـذي تـدور‬
         ‫الحقـوق والحريـات وهـذه الخصائـص هـي‪:‬‬                    ‫حولـه العلاقـات السياسـية والاجتماعيـة والثقافيـة والفكريـة‪.‬‬
                                                                  ‫ويرجـع الفضـل الكبيـر فـي هـذا الاهتمـام بموضـوع حقـوق‬
‫‪ -‬حقـوق الإنسـان قيـد علـى سـيادة الدولـة‪ :‬مـن‬                    ‫الإنسـان إلى الإد ارك الدولي للقيمة الكبرى لآدمية الكائن‬
‫المبـادئ ال ارسـخة فـي القانـون الدولـي احتـ ارُم سـيادة‬
‫الـدول‪ ،‬ويرتبـط هـذا المبـدأ ارتبا ًطـا وثيًقـا بمبـدأي حظـر‬                          ‫البشـري والحفـاظ علـى ك ارمتـه(‪.)2‬‬
‫اسـتخدام القـوة وعـدم التدخـل‪ ،‬وتُعـُّد الحمايـة الدوليـة‬
‫لحقـوق الإنسـان قيـًدا علـى سـيادة الدولـة؛ إذ إنهـا تكبـل‬        ‫لكـن مفهـوم «حقـوق الإنسـان» يضـرب بجـذوره البعيـدة‬
‫يدهـا فـي تنظيـم شـئونها الداخليـة الخاصـة بسـكانها‬               ‫فـي الفكـر القديـم‪ ،‬وفـي فكـر العصـور الوسـطى لـدى‬
                                                                  ‫مختلـف الديانـات والمذاهـب التـي شـهدت تبلـور اتجاهـات‬
‫(‪ ،)5‬إن تدويـل حقـوق الإنسـان و َعدهـا مـن الالت ازمـات‬           ‫فكريـة ذات نزعـة إنسـانية؛ إلا أن النشـأة الحقيقيـة لهـذا‬
‫الدوليـة بموجـب ميثـاق هيئـة الأمـم المتحـدة‪ ،‬وصـدور‬              ‫المفهـوم ارتبطـت بالتحـولات التاريخيـة والفكريـة التـي‬
                                                                  ‫حدثـت فـي أوروبـا منـذ عصـر النهضـة‪ ،‬والتـي بلغـت‬
‫العديـد مـن المواثيـق الدوليـة لحقـوق الإنسـان بصيغـة‬             ‫ذروتهـا فـي القـرن الثامـن عشـر فـي الإعـان العالمـي‬
                                                                  ‫لحقـوق الإنسـان‪ .‬وربمـا كانـت الروافـد الفلسـفية لحقـوق‬
‫إعلانـات واتفاقيـات دوليـة وضـع قيـوًدا موضوعيـة علـى‬             ‫الإنسـان هـي الاعتـ ارف بوجـود حقـوق خاصـة بالإنسـانية‬
‫السـيادة المطلقـة للـدول فـي إصـدار القوانيـن وتطبيقاتهـا‪،‬‬        ‫وهـي الحقـوق التـي طورتهـا مدرسـة «الحـق الطبيعـي»‬
                                                                  ‫باتجاهاتهـا المتعـددة‪ ،‬والتـي انتهـت إلـى الاعتـ ارف بحقـوق‬
‫فقـد أكـدت الفقـرة الثالثـة مـن ديباجـة الإعـان العالمـي‬

‫لحقـوق الإنسـان ضـرورة توافـق التشـريعات الوطنيـة مـع‬

‫المبـادئ التـي أعلنـت فـي الإعـان العالمـي‪ ،‬وبالمعنـى‬

                                                              ‫‪82‬‬
   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87