Page 90 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 90

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                       ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫خا َّصـة فـي التعامـل مـع قضايـا مثـل‪ :‬توزيـع الدخـل‬             ‫(‪ )B.C 399 – 470‬يثـور فـي وجـه السوفسـطائيين‬
‫والسـيطرة واسـتخدام المـوارد الطبيعيـة وتوزيـع الفـرص‬            ‫ويرفـض نسـبية الفضيلـة مؤكـًدا أن الفضيلـة واحـدة رغـم‬
‫التعليميـة والوظيفيـة التـي انتشـرت علـى نطـاق واسـع‬             ‫تعـدد مسـمياتها‪ ،‬وهـي تكمـن فـي الضميـر الإنسـاني‬
‫فـي مجتمعاتنـا‪ ،‬وقـام عـدد مـن الفلاسـفة بتقديـم رؤى‬             ‫الحـي الـذي يرشـدنا دائ ًمـا إلـى الخيـر أي فـي سـلوك‬
‫مختلفـة حـول مفهـوم العدالـة وارتباطهـا الوثيـق بالأخـاق‬         ‫الصـدق والابتعـاد عـن الكـذب‪ ،‬وطريـق الأمانـة والعـدل‪،‬‬
‫والقانون؛ وذلك من أجل الحفاظ على الحقوق والواجبات‬                ‫وهكـذا فرغـم تعـدد أسـماء الفضائـل‪ ،‬إلا أنهـا فـي جوهرهـا‬
‫والالت ازمـات بمـا يتماشـى مـع روح كل عصـر‪ ،‬ومـن‬                 ‫فضيلـة واحـدة‪ ،‬هـي الطريقـة التـي تكمـن فـي تعاملنـا مـع‬
‫هـؤلاء الفلاسـفة «جـون رولـز»؛ حيـث أكـد فـي مواضـع‬
‫كثيـرة مـن كتاباتـه علـى أن المفهوميـن الأساسـيين فـي‬                                          ‫الأفـ ارد والمجتمـع(‪.)35‬‬
‫مبحـث «الأخـاق» همـا مفهومـا «العـدل» و»الخيـر»‪،‬‬
‫يقـول فـي كتابـه «نظريـة فـي العدالـة»(‪« :)38‬أعتقـد أن‬           ‫ولقـد حظـي مفهـوم «العدالـة الاجتماعيـة» بقـدر كبير‬
‫مفهـوم «الشـخص الأخلاقـي» ذاتـه قـد تـم اسـتنباطه‬                ‫مـن الاهتمـام علـى المسـتويات الثقافيـة والاجتماعيـة‬
‫مـن مفهومـي «العـدل» و»الخيـر»‪ ،‬وهكـذا تتحـدد‬                    ‫والسياسـية‪ ،‬كمـا اسـتحوذ علـى حيـز كبيـر مـن الجـدل‬
‫البينـة لنظريـة أخلاقيـة مـن خـال الطريقـة التـي تنتظـم‬          ‫علـى مسـتوى الفكـر الاقتصـادي‪ ،‬حتـى أضحـى مـن‬
                                                                 ‫المفاهيـم الشـائعة الاسـتخدام فـي الأدبيـات السياسـية‬
       ‫بوسـاطتها الصلـة بيـن هذيـن المفهوميـن»(‪.)39‬‬              ‫الحديثـة وفـي الخطابـات المعاصـرة وتقاريـر المؤسسـات‬
                                                                 ‫والمنظمـات الدوليـة والوطنيـة(‪ .)36‬ومـن هـذا المنطلـق‪،‬‬
‫مـن هـذا المنطلـق‪ ،‬بـدأ تصـور رولـز للعدالـة مـن‬                 ‫تعتبـر العدالـة قاعـدة اجتماعيـة أساسـية لاسـتم ارر‬
‫معارضتـه لتصـو ارت «الفلسـفة النفعيـة» التـي بلورهـا‬             ‫حيـاة البشـر مـع بعضهـم البعـض‪ ،‬فهـي محـور مهـم‬
‫عـدٌد مـن الفلاسـفة النفعييـن أمثـال‪« :‬جيرمـي بنتـام»‬            ‫فـي الأخـاق وفـي الحقـوق وفـي الفلسـفة الاجتماعيـة؛‬
‫‪ ،)1832– 1748( J. Bentham‬و»جون سـتيوارت‬                          ‫حيـث تنطلـق منهـا بحـوث إيجـاد المقاييـس والمعاييـر‬
‫مـل» ‪ .... )1873 – 1806( J.S.Mill‬وآخـرون‪،‬‬                        ‫الأخلاقيـة والقانونيـة‪ ،‬العدالـة إذن‪ ،‬فضيلـة شـخصية‬
‫والتـي سـيطرت علـى الفكـر السياسـي والأخلاقـي فـي‬                ‫سـامية‪ ،‬وهـي موجـودة دائ ًمـا فـي سـياق اجتماعـي معيـن‪.‬‬
‫العالـم الغربـي‪ .‬وقـد تبنـت هـذه الفلسـفة مبـدأ المنفعـة‬         ‫والحقيقـة أن الرؤيـة السياسـية لمحـاورة «الجمهوريـة»‬
‫بوصفـه غايـة لـكل سـلوك أخلاقـي‪ ،‬وارتبطـت أخلاقيـة‬               ‫لأفلاطـون يمكـن أن ن ارهـا تخطي ًطـا لذلـك السـياق‬
‫الأفعـال الإنسـانية بمـدى مـا تحققـه مـن منافـع أو تدفعـه‬        ‫الاجتماعـي نفسـه‪ ،‬فأفلاطـون هـو صاحـب أول نظريـة‬
‫مـن أضـ ارر (أعظـم قـدر مـن السـعادة لأكبـر عـدد مـن‬             ‫اجتماعيـة وتاريخيـة واضحـة المعالـم فـي تاريـخ الفكـر‬
‫النـاس) وأقـرت بـأن الأفعـال تكـون صائبـة إذا كانـت‬              ‫الغربـي‪ ،‬وهـو واحـد مـن أوائـل العلمـاء الاجتماعييـن‪،‬‬
‫تميـل إلـى تحقيـق السـعادة‪ ،‬وتكـون خاطئـة إذا مالـت‬              ‫وأقواهـم تأثيـًار؛ حيـث طبـق منهجـه المثالـي بنجـاح علـى‬
‫إلـى الشـقاء والتعاسـة(‪ .)40‬أ ارد رولـز أن يقـدم بديـاً عـن‬      ‫تحليـل حيـاة الإنسـان الاجتماعيـة وقوانيـن تطورهـا؛‬

                                                                                   ‫فضـاً عـن شـروط اسـتق اررها(‪.)37‬‬

                                                                 ‫ولقـد نشـأ نـ ازع حـول مفهـوم «العدالـة» الاجتماعيـة‬

                                                             ‫‪90‬‬
   85   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95