Page 91 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 91

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                        ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫يمكـن أن توحـد حريـة الفـرد مـع حريـة الآخـر وفًقـا لقانـون‬       ‫«المذهب النفعي»؛ لأنه لا يقدم تفسـيًار مرضًيا للحقوق‬
‫كلـي للحريـة»(‪ ،)43‬كذلـك أرى كانـط أن السـيادة لا يمكـن‬           ‫والحريات الأساسـية للمواطنين كأف ارد أح ارر ومتسـاوين‪،‬‬

‫تقسـيمها ولا يمكـن حمايـة وضـع الفـرد كإنسـان عاقـل‬               ‫وهـو مطلـب – علـى حـد قولـه – «ذو أهميـة أولـى‬

          ‫ومسـتقل إلا مـن خـال وجـود دولـة مدنيـة‪.‬‬                ‫مطلقـة مـن أجـل تفسـير المؤسسـات الديمق ارطيـة»(‪.)41‬‬

‫لذلـك ومـن كل مـا سـبق‪ ،‬نحـاول فـي هـذه الد ارسـة‬                 ‫وعلـى صعيـد آخـر‪ ،‬تنـاول «كانـط» ‪1724( Kant‬‬

‫– ‪ )1804‬مفهـوم العدالـة علـى خـاف «المذهـب رصـَد محـاولات الفيلسـوف الأمريكـي جـون رولـز فيمـا‬
‫النفعـي»؛ حيـث تقـوم الأخـاق عنـده علـى العقـل وحـده‪ ،‬يخـص تصـوره لنظـام العدالـة ونظـام حكـم القانـون‪،‬‬

‫مـا دام هـو مصـدر الإلـ ازم الخلقـي‪ ،‬ومـن هنـا نسـب ومحاولتـه الفريـدة لطـرح تنظيـر سياسـي اجتماعـي‬

‫كانـط إلـى الأخـاق صفـة «الضـرورة المطلقـة»‪ ،‬ونـادى أخلاقـي يدعـم اسـتق ارر المجتمعـات علـى نحـو‬

‫بوجود قوانين أولية كلية وضرورية في مضمار السلوك متكافـئ ومتسـاٍو‪ ،‬خاصـة بعـد إصـدار كتابـه‪« :‬نظريـة‬

‫الإنسـاني‪ .‬وفـى كتـاب «تأسـيس ميتافيزيقـا الأخـاق» فـي العدالـة»؛ إذ أثـار ‪ -‬هـذا الكتـاب – جملـة مـن‬

‫يقـدم أوجـه الاختـاف بيـن المبـادئ الأخلاقيـة وقوانيـن التسـاؤلات التـي تميـزت بكثافتهـا أكثـر ممـا أثارتـه أيـة‬

‫الطبيعـة‪ ،‬ويذهـب إلـى أن الاختـاف بينهمـا يكمـن فـي نظريـة أخـرى فـي العدالـة الاجتماعيـة خـال القـرن‬

‫إحساسـنا الذاتـي بالإلـ ازم بطاعـة القوانيـن الأخلاقيـة‪ ،‬العشـرين‪ ،‬وكذلـك الـدور الـذي أداه التصـور الكانطـي‬

‫يقول‪« :‬إن ك َّل إنسا ٍن لا بد أن ُيسلم بالقانون الأخلاقي‪ ،‬لنظريـة «الحـق» و»اسـتقلالية الـذات»‪ ،‬و»مبـدأ الأمـر‬
‫أعنـي قاعـدة الإلـ ازم ‪ ....‬هـذه القاعـدة لا ينبغـي أن المطلـق»‪ ،‬و»نظريـة الواجـب» التـي تقـوم علـى تأكيـد‬

‫أولويـة الحـق علـى الخيـر؛ بخـاف «الفلسـفة النفعيـة»‬              ‫ُتْلمـس فـي طبيعـة الإنسـان ولا فـي ظـروف العالـم الـذي‬
‫السـائدة فـي المجتمعـات الغربيـة الليب ارليـة‪ ،‬كمـا أ ارد‬         ‫ُوضـع فيـه‪ ،‬بـل لا بـد مـن البحـث عنهـا بطريقـة قبليـة‬
‫رولـز أن تنـال الشـعوب حقهـا مـن خـال عـدم المسـاس‬                ‫فـي تصـو ارت العقـل الخالـص وحدهـا»(‪ ،)42‬وترتبـط‬

‫القوانيـن الأخلاقيـة عنـد كانـط بمفاهيـم «الحريـة» التـي بمصالحهـا وذلـك باحتـ ارم القانـون العـادل‪ ،‬ويتحقـق هـذا‬

‫تفـرض حـدود علـى التصرفـات الخارجيـة للنـاس وعلـى عندمـا ُيعامـل المجتمـع أفـ ارده كشـخصيات أخلاقيـة‪،‬‬
‫نواياهـم الداخليـة‪ ،‬ويعتمـد أسـاس هـذه النظريـة علـى وقـد أطلـق عليـه «قانـون الشـعوب»‪ ،‬ومعنـاه أن تلتـزم‬

‫مبـدأ «الحـق» وهـو شـامل لجميـع البشـر؛ ومسـتمد مـن كل الشـعوب بأهـداف «قانـون الشـعوب» ومبادئـه فـي‬

‫الحتميـة المطلقـة مـن خـال مفهـوم «الإ اردة الخيـرة» علاقاتهـا المتبادلـة‪ ،‬وفكـرة مجتمـع الشـعوب – كمـا‬

‫التـي توجـه الإنسـان نحـو غايـات وأهـداف عامـة تصحـح عبـر عنهـا رولـز – هـي فكـرة يوتوبيـة واقعيـة تصـور‬

‫نظا ًمـا اجتماعًّيـا قابـاً للتطبيـق يكفـل الحقـوق والعدالـة‬      ‫مبـدأ السـلوك كلـه‪ ،‬ومـن هنـا أرى كانـط أن «القانـون»‬
‫السياسـية لجميـع الشـعوب(‪ ،)44‬كذلـك كمـا صـرح‬
‫«كانـط»‪« :‬يجـب أن يقـوم قانـون الشـعوب علـى أسـاس‬                 ‫ُيعـد أمـًار واجًبـا‪ ،‬ومـن الضـروري فرضـه وإجبـار الآخرين‬
                                                                  ‫علـى طاعتـه؛ لأنـه مجمـوع الشـروط التـي تلائـم بيـن‬

‫حريتنـا وحريـة الغيـر‪ ،‬وفًقـا لنامـوس شـامل للحريـة‪ ،‬أو اتحـاد بيـن دول حـرة» (‪.)45‬‬
                             ‫علـى حـد قولـه‪« :‬القانـون هـو مجمـوع الشـروط التـي‬

                                                              ‫‪91‬‬
   86   87   88   89   90   91   92   93   94   95   96