Page 94 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 94
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
لنا – على وجه التحديد – ما هي المبادئ الفعلية التي فـي الغايـة التـي ينحـو إليهـا كل واحـد ،بـل ُينظـر فقـط
تنطبـق عليهـا هـذه السـمات والخصائـص ،أي أن الأمـر فـي الشـكل الـذي تتخـذه هـذه العلاقـة .وعلـى هـذا فـإن
الكانطـي المطلـق يحـدد لنـا مـا الـذي يتعيـن علينـا فعلـه القانـون هـو مجمـوع الشـروط التـي يخضـع لهـا ملكـة
فـي الواقـع ،وهـذا هـو فـي الحقيقـة مـا اسـتطاع أن ينجـو الفعـل الحـرة لـكل شـخص إذا كانـت قاعدتـه تُمكـن مـن
منـه رولـز ،فالوضـع الأصلـي هـو فـي جوهـره مفهـوم مثـل هـذا الاتفـاق ،ومـن هنـا جـاءت القاعـدة الأساسـية:
يوضـح لنـا مـا هـي تلـك المبـادئ التـي يختارهـا أشـخاص « افعـل خارجًّيـا بحيـث يمكـن الاسـتعمال الحـر لإ اردتـك
أحـ ارر يتسـمون بالعقلانيـة وحريـة الإ اردة ،فـي حيـن أن أن يتفـق مـع حريـة الجميـع وفًقـا لقانـون كلـي»( .)62إن
العقـل الخالـص عنـد كانـط هـو الـذي يمدنـا بالمبـادئ المسـألة الجوهريـة فـي هـذه القاعـدة – كمـا يـرى كانـط
الأخلاقيـة؛ هـذه المبـادئ ممثلـة فـي مبـادئ العدالـة عنـد – هـي تبريـر اسـتعمال القسـر لمنـع النـاس مـن التعـدي
رولـز التـي يتـم اشـتقاقها مـن مقدمـات معينـة تتمثـل فـي علـى حريـة الآخريـن ،وهـذا القسـر الـذي يفـرض بشـكل
شـروط الوضـع الأصلـي التـي تمتـزج فيهـا عوامـل عـدة قانونـي لا يمكـن تبريـره إلا لضمـان الحريـة.
أمـا رولـز ،فقـد أرى أن الحقـوق السياسـية والمدنيـة منهـا :الحقائـق السـيكولوجية والتفاعـل الاجتماعـي فـي
للفـرد حقـوق لهـا حرمـه لا تُنتـزع ،وأن أكثـر سـمة تميـز سـياق مـن النـدرة والمطالـب التنافسـية .وهكـذا ،ينـأى
الطبيعـة البشـرية هـو قدرتنـا علـى أن نختـار بحريـة رولـز عـن الطابـع العقلانـي الخالـص الـذي اتسـم بـه
كانـط ،فـي الوقـت الـذي تظـل فيـه نظريتـه تـردد فـي
الغايـات التـي نسـعى إلـى تحقيقهـا .لقـد آمـن رولـز –
أعماقهـا النغمـة الكانطيـة المميـزة نفسـها(.)59
مقتفًيـا خطـى كانـط – أن أكثـر سـمة تميـز الطبيعـة
البشـرية هـو قدرتنـا علـى ان نختـار بحريـة الغايـات التـي القانون بين العام والخاص
نسـعى إلـى تحقيقهـا .ويترتـب علـى ذلـك أن الواجـب ُيعـد كتـاب كانـط «المبـادئ الميتافيزيقيـة لنظريـة
الأول للدولـة تجـاه مواطنيهـا هـو أن تحتـرم هـذه القـدرة الحـق» مـن أهـم الكتـب التـي تناولـت فلسـفة القانـون
فـي مجـال السياسـة والأخـاق ،وقـد عالـج موضـوع علـى الاسـتقلال الذاتـي ،وأن تتـرك للمواطنيـن حريـة
العيـش وفقـاً لاختيا ارتهـم الذاتيـة ،وأن تعاملهـم ،وفًقـا
لعبـارة كانـط ،كغايـات وليـس كوسـائل .يقـول كانـط: «الحـق»( )60فـي كثيـر مـن محاض ارتـه خاصـ ًة مـا يتعلـق
بالحق الطبيعي أو القانون الطبيعي ،فضلاً عن إشا ارته
«إن الكائنـات العاقلـة تخضـع جمي ًعـا للقانـون الـذي
يقضـي ألا يعامـل كل منهـم نفسـه وغيـره مـن البشـر إليـه فـي ثنايـا حديثـه عـن الفلسـفة الأخلاقيـة بوجـه عـام.
كوسـيلة أبـًدا ،بـل أن تكـون المعاملـة لهـم دائ ًمـا وفـي
وفـي مسـتهل حديثـه عـن نظريـة القانـون ،يتسـاءل
كانـط مـا القانـون؟ ( )61يجيـب :القانـون ،بحسـب العقـل،
لا يتعلـق إلا بالعلاقـة الخارجيـة العمليـة القائمـة بيـن الوقـت نفسـه كغايـات فـي ذاتهـا»( .)63الواجـب الأول
الأشـخاص بعضهـم ببعـض ،مـن حيـث إنهـم بأفعالهـم للدولـة الليب ارليـة– عنـد رولـز -هـو أن تحمـي الحريـات
المدنيـة الأساسـية للفـرد ،والتـي لا يوجـد شـيء يمكـن
أن ُيعـوض عنهـا( .)64وعلـى هـذا الأسـاس عنـى رولـز يؤثـر بعضهـم فـي بعـض تأثيـًار مباشـًار؛ إنـه لا يحـدد
بمـا يسـمى «حـق الشـعوب» ،واعتبـره مفهوًمـا سياسـًيا علاقـة الحريـة للواحـد مـع الرغبـة أو الحاجـة للآخـر ،بـل
يختـص بمبـادئ القانـون الدولـي ومعاييـره .ويتـوازى
علاقـة حريـة الفاعـل مـع حريـة الغيـر .وفـي هـذه العلاقـة
94 المتبادلـة بيـن الحريـات لا ُينظـر فـي مـادة الإ اردة ،أي