Page 97 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 97
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
المعاصـرة ،يقـول «صـن»« :لا يسـعني البـدء بانتقـاد صحـة المقولـة التـي تـرى أن المجتمـع الليب ارلـي مجتمـع
رولـز دون الإقـ ارر أولاً بعظيـم أثـره فـي فهمـي الخـاص يحـرص علـى عـدم إمـاء أي طريقـة معينـة فـي الحيـاة
للعدالـة والفلسـفة السياسـية عموًمـا ،وعظيـم الديـن الـذي علـى أفـ ارده ،تـارًكا لهـم أكبـر حريـة ممكنـة فـي تحديـد
أديـن لـه بـه .فقـد أشـعل فـي نفسـي جـذوة الاهتمـام القيـم التـي يتبنوهـا والغايـات التـي يسـعون إليهـا فـي
الحيـاة .وعلـى الرغـم مـن أن سـاندل أرى أن ليب ارليـة
الفلسـفي بموضـوع العدالـة»(.)76 رولـز مدينـة لكانـط فـي معظـم آ ارئهـا الفلسـفية ،كمـا
أنهـا جـاءت معارضـة للتصـو ارت النفعيـة مـن حيـث
لقـد أرى «صـن» أن نظريـة العدالـة تشـتمل علـى قولهـا بأسـبقية الحـق علـى الخيـر؛ فإنـه أرى عيـب هـذه
متطلبـات إعمـال العقـل فـي تحليـل مفهومـي «العـدل الليب ارليـة المعاصـرة فـي كونهـا لـم تأخـذ بعيـن الاعتبـار
والظلـم» ،وقـد حـاول الذيـن كتبـوا فـي مفهـوم العدالـة، مسـألة الجماعـة ،بـل اهتمـت بتفـرد الـذات بشـكل قبلـي،
علـى مـدى مئـات السـنين فـي مختلـف أرجـاء العالـم، بمعنـى أن لا ذات عنـد رولـز إلا الـذات التـي يفتـرض
تقديـم أسـاس فكـري للانتقـال مـن الإحسـاس العـام بالظلـم مسـبًقا أنهـا منفـردة بنفسـها؛ لكـن الـذات – كمـا ي ارهـا
إلـى التحليـل الفكـري الدقيـق لـه ،ومـن ثـم تطرقـوا إلـى سـاندل – هـي ذات مجسـدة ضمـن نسـيج مـن العلاقـات
تحليـل المعنـى الخـاص بإعـاء قيمـة العـدل .ومـن هنـا،
يعتقـد صـن أن الاشـتغال علـى مسـتوى المؤسسـات ،فـي الاجتماعيـة والإنسـانية(.)75
التنظيـر للعدالـة ،الـذي يطلـق عليـه «المقاربـة المؤسسـية
الما -فوقية»Transcendental Institutionalism وصـف «سـاندل» وصًفـا دقيًقـا – فـي معـرض حديثـه
المرتبطـة بنمـط تفكيـر العقـد الاجتماعـي السـائد بتأثيـر لنقـد الليب ارليـة – غيـاب المسـاواة والعدالـة فـي النظـام
مـن رولـز ،ومـن تأثـر بهـم ،كروسـو وكانـط (فـي الفلسـفة الليب ارلـي الغربـي ،بالرغـم مـن كل التطـور الـذي لحـق
السياسـية المعاصـرة فيمـا يخـص مفهـوم العدالـة) ،يظـل بـه ،فقـد أرى أن ثمـة جماعـات تتعـرض للظلـم (كجماعـة
قاصـًار مـن ناحيـة عـدم اهتمامـه بالسـلوك الفعلـي للنـاس. وليـس كأفـ ارد) وأن الطبقـة المهيمنـة فـي النظـام الجديـد
بمعنـى آخـر ،أن المؤسسـية المـا فوقيـة فـي بحثهـا عـن – لحظة التأسـيس – تبقى مسـيطرة في جميع اللحظات
الكمـال ،تركـز – فـي المقـام الأول – علـى الوصـول إلـى التـي تليهـا ،مـا دام النظـام الليب ارلـي يقـدم الحريـة فـي
المؤسسـات العادلة ولا تهتم مباشـرة بالمجتمعات الفعلية تحقيـق أعلـى ربـح علـى العدالـة الاجتماعيـة؛ ولا يسـعى
التـي سـتنبثق فـي النهايـة مـن تلـك المؤسسـات ،إذ لا إلـى محاربـة سـوء توزيـع الثـروة أو توسـيع المسـتفيدين
بـد لطبيعـة المجتمـع الـذي سـينتج عـن أي مجموعـة
معينـة مـن المؤسسـات أن تعتمـد علـى سـمات لا مـن الخيـر العـام.
مؤسسـية ،كأنمـاط السـلوك الفعلـي للنـاس وتعاملاتهـم
أمـا أمارتيـا صـن Amartya Senفقـد أقـر -عنـد
الاجتماعي ـة(.)77 نقـده لرولـز – بـأن مفاهيمـه الأساسـية ظلـت تقـدم لـه
الكثيـر عنـد بحثـه فـي مشـكلة العدالـة ،وبـأن أعمـال
ولا شـك أن القائليـن بمذهـب «المؤسسـية المـا رولـز تُعـد تحـولاً مه ًّمـا فـي الفلسـفة السياسـية والأخلاقيـة
97