Page 95 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 95

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                      ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫أسـباب الحـرب والحفـاظ علـى السـام‪ ،‬وكثيـًار مـا ُينظـر‬         ‫مـع هـذا المفهـوم مفهـوم آخـر وهـو «مجتمـع الشـعوب»‬
‫إلـى الـدول علـى أنهـا عقلانيـة شـديدة الحـرص علـى‬              ‫التـي تتبنـى ُمثـل ومبـادئ حـق الشـعوب فـي علاقاتهـا‬
‫قوتهـا – أي قدرتهـا (عسـكرًيا واقتصادًيـا ودبلوماسـًيا)‬
‫علـى التأثيـر علـى الـدول الأخـرى – وتعمـل دائ ًمـا علـى‬                                                ‫المتبادل ـة‪.‬‬

                  ‫تحقيـق مصالحهـا الأساسـية»(‪.)68‬‬                                               ‫قانون الشعوب‬

‫وهـذا يذكرنـا بـ أري كانـط فـي كتابـه «مشـروع للسـام‬            ‫يسـعى رولـز فـي كتابـه « قانـون الشـعوب»(‪)65‬‬
‫الدائـم» الـذي نشـره عـام ‪ 1795‬والـذي أعلـن فيـه أن‬             ‫الصـادر عـام ‪ ،1999‬إلـى أن يوسـع نطـاق أفـكاره حـول‬
‫إنشاء «حلف بين الشعوب» هو السبيل الوحيد للقضاء‬                  ‫العدالـة لتشـمل السـاحة الدوليـة‪ ،‬وقـد حـاول أن يبيـن‬
‫علـى شـرور الحـرب وويلاتهـا‪ ،‬ولا بـد مـن الاعتـ ارف –‬           ‫موقـف الليب ارليـة مـن إمكانيـة العلاقـة مـع الآخـر غيـر‬
‫علـى حـد قولـه – «بـأن الـدول مـا ازلـت فـي علاقاتهـا‬           ‫الليب ارلـي‪ .‬وحجـة رولـز هـي أن» قانـون الشـعوب» لا‬
‫الدوليـة علـى حـال مـن الهمجيـة والانحطـاط البهيمـي‪،‬‬            ‫يقضـي بـأن تكـون جميـع المجتمعـات ليب ارليـة بـل يكفـي‬
‫وأن الوسـيلة الوحيـدة للخـاص مـن هـذا الوضـع هـو‬                ‫أن تحتـرم الحـد الأدنـى مـن الليب ارليـات التقليديـة فقـط‬
‫اقتلاع الداء من جذوره والاستعاضة في كافة العلاقات‬               ‫مثـل‪ :‬حريـة التعبيـر‪ ،‬وحريـة العقيـدة الدينيـة‪ .‬يقـول‪« :‬إن‬
‫الدوليـة عـن حالـة الطبيعـة بحالـة الشـريعة وتنظيـم الأمـم‬      ‫قانـون الشـعوب يؤمـن بوجهـة نظـر سـمحة وإن لـم تكـن‬
‫جمي ًعـا عـن طريـق تعاقـد حـر بيـن الأفـ ارد‪ ،‬أي جمـع هـذه‬      ‫ليب ارليـة‪ ،‬ومـن القضايـا الجوهريـة فـي السياسـة الخارجيـة‬
                                                                ‫للمجتمعـات الليب ارليـة أن تقـرر إلـى أي حـد يمكـن قبـول‬
                      ‫الأمـم فـي تحالـف سـلمي»(‪.)69‬‬
                                                                                       ‫الشـعوب غيـر الليب ارليـة»(‪.)66‬‬
‫ويقـدم رولـز مفهـوم «قانـون الشـعوب» مـن خـال‬
‫نظريتيـن همـا‪« :‬النظريـة المثاليـة» التـي تشـمل مجتمـع‬          ‫ويسـتعمل رولـز كلمـة «شـعوب» بـدل كلمـة‬
‫الشـعوب الديمق ارطيـة الليب ارليـة والشـعوب السـمحة(‪)70‬‬         ‫«دول»؛ لأنـه وجـد فـي الشـعوب سـمات تختلـف عـن‬
‫التـي تتمتـع بسـمات معينـة تجعلهـا مقبولـة لتصبـح جـزًءا‬        ‫سـمات الـدول منهـا‪ :‬أن الشـعوب لا تحركهـا منافعهـا‬
‫مـن مجتمـع الشـعوب‪ .‬والنظريـة الأخـرى هـي «النظريـة‬             ‫الخاصـة‪ ،‬بـل تحـدد مصالحهـا الأساسـية بشـكل معقـول‬
‫الـا مثاليـة» وينـدرج تحـت هـذه النظريـة نوعيـن مـن‬             ‫دون المسـاس بمصالـح الشـعوب الأخـرى‪ ،‬أي أن‬
‫المجتمعـات‪ ،‬النـوع الأول‪ :‬مجتمعـات ترفـض فيهـا‬                  ‫الشـعوب تمتلـك جانًبـا أخلاقًّيـا‪ ،‬بخـاف الـدول التـي‬
‫الحكومـات أن تحتـرم قانوًنـا معقـولاً للشـعوب‪ ،‬يطلـق‬            ‫دأبـت أن تكسـب مصالحهـا حتـى وإن كانـت علـى‬
‫عليهـا تسـمية الـدول الخارجـة علـى القانـون‪ ،‬ويناقـش‬            ‫حسـاب مصالـح دول أخـرى؛ وأن الشـعوب لا تمتلـك‬
‫رولـز فيهـا الإجـ ارءات التـي يمكـن للشـعوب الليب ارليـة‬        ‫السـيادة حتـى فـي التعامـل مـع مواطنيهـا ممـا يعنـى أن‬
‫والشـعوب السـمحة أن تلجـأ إليهـا فـي مواجهتهـا لمثـل‬            ‫الـدول الكبـرى والمنظمـات الدوليـة تمتلـك كامـل الحريـة‬
‫هـذه الـدول‪ ،‬النـوع الثانـي مـن المجتمعـات التـي ينـدرج‬         ‫فـي التدخـل فـي شـئونها(‪ ،)67‬و»الـدول هـي الطـرف‬
                                                                ‫الفاعـل فـي العديـد مـن نظريـات السياسـة الدوليـة حـول‬

                                                            ‫‪95‬‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100