Page 93 - مجلة تنوير - العدد الرابع
P. 93

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                          ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫العدالـة التـي تنطبـق بشـكل رئيـس علـى البينـة الأساسـية الثانـي‪ ،‬وكذلـك تسـبق المسـاواة المنصفـة بالفـرص فـي‬

‫للمجتمـع‪ ،‬وتحكـم التخصيـص للحقـوق والواجبـات‪ ،‬المبـدأ الثانـي مبـدأ الفـرق»(‪ ،)56‬وعلـى ذلـك‪ ،‬يجـب أن‬

‫وتنظـم التوزيـع للمنافـع الاجتماعيـة والاقتصاديـة؟ يـرى نرتـب هـذه المبـادئ فـي ترتيـب تسلسـلي‪ ،‬هـذا الترتيـب‬

‫رولـز أن مبـادئ العدالـة التـي تحكـم المجتمـع‪ ،‬هـي – كمـا عبـر عنـه رولـز – «يعنـي أنـه لا يمكـن تبريـر‬

‫«المبادئ التي سـوف يقبلها أشـخاص أح ارر وعقلانيون انتهـاكات الحريـات الأساسـية المتسـاوية المصانـة‬

‫يهتمـون بتحقيـق مصالحهـم الذاتيـة فـي وضـع مبدئـي بواسـطة المبـدأ الأول أو التعويـض عنهـا مـن خـال‬

‫مـن المسـاواة‪ ،‬ويجـب أن تنظـم هـذه المبـادئ جميـع منافـع اقتصاديـة واجتماعيـة أكبـر»(‪.)57‬‬

‫والواقـع أن التركيـز الشـديد مـن جانـب رولـز علـى‬                   ‫الاتفاقيـات الأخـرى‪ ،‬وتعيـن أنمـاط الشـ اركة الاجتماعيـة‬
‫الأسـس العقلانيـة فـي المفاضلـة بيـن المبـادئ المختلفـة‬             ‫وأشـكال الحكومـات التـي يمكـن تأسيسـها»(‪ .)53‬وقـد‬
‫للتوصل إلى تلك المبادئ التي يقبلها الإنسـان ويعتبرها‬                ‫صـاغ مبدأيـن رئيسـيين للعدالـة همـا‪ :‬المبـدأ الأول‪،‬‬
‫ملزمـة لـه‪ ،‬إنمـا هـو أمـر يذكرنـا بالمنهـج الكانطـي‬                ‫يجـب أن يتمتـع كل شـخص بحـق متسـاٍو لغيـره ضمـن‬
‫فـي التوصـل إلـى الأمـر الأخلاقـي المطلـق‪ ،‬فالأمـر‬                  ‫أوسـع نسـق مـن الحريـات‪ ،‬أي أن «لـكل شـخص الحـق‬
‫المطلـق عنـد كانـط هـو ذلـك المبـدأ الـذي ينبـع مـن‬                 ‫ذاتـه والـذي لا يمكـن إلغـاؤه فـي ترسـيمة مـن الحريـات‬
‫طبيعـة الإنسـان بوصفـه كائًنـا عاقـاً حـَّر الإ اردة‪ ،‬ومـن‬          ‫الأساسـية المتسـاوية الكافيـة‪ ،‬وهـذه الترسـيمة متسـقة‬
‫ثـم فهـو ينطبـق علـى البشـر جمي ًعـا بوصفهـم كذلـك؛‬                 ‫مـع نظـام الحريـات ذاتـه»‪ .‬المبـدأ الثانـي‪ ،‬يجـب أن‬
‫ويميزهـم عمـا سـواهم مـن الكائنـات والموجـودات‪ .‬يقـول‬               ‫تَُن َّظـم أشـكال التفـاوت الاجتماعـي والاقتصـادي بطريقـة‬
‫كانـط فـي هـذا الصـدد‪« :‬كل شـيء فـي الطبيعـة يخضـع‬                  ‫تضمـن فـي آن م ًعـا أن نتوقـع عقلًّيـا أن تكـون فـي‬
‫لقوانيـن‪ ،‬والكائـن العاقـل وحـده هـو الـذي يملـك المقـدرة‬           ‫مصلحـة كل واحـد‪ ،‬وأن تكـون متعلقـة بمواقـع ووظائـف‬
‫علـى السـلوك بحسـب تصـور القوانيـن‪ ،‬أي بحسـب‬                        ‫مفتوحـة للجميـع‪ ،‬بمعنـى آخـر «يجـب أن تحقـق ظواهـر‬
‫مبـادئ؛ أو بعبـارة أخـرى هـو الكائـن الـذي يملـك الإ اردة‬           ‫الـا مسـاواة الاجتماعيـة والاقتصاديـة شـرطين‪ :‬أولهمـا‪:‬‬
‫لذلـك»‪ .‬ويقـول فـي الموضـع ذاتـه‪ « :‬إن العلاقـة التـي‬               ‫يفيد أن اللا مسـاواة يجب أن تتعلق بالوظائف والم اركز‬
‫تربـط القوانيـن الموضوعيـة بـإ اردة لـم يتمكـن منهـا الخيـر‬         ‫التـي تكـون مفتوحـة للجميـع فـي شـروط مسـاوية منصفـة‬
‫تما ًمـا يمكـن التعبيـر عنهـا بأنهـا تعييـن إ اردة كائـن عاقـل‬      ‫للفرص‪ ،‬وثانيهما‪ :‬يقتضي أن يكون ظواهر اللا مساواة‬
‫بوسـاطة مبـادئ عقليـة حًّقـا‪ ،‬ولكـن لا تسـتطيع هـذه‬                 ‫محققـة أكبـر مصلحـة لأعضـاء المجتمـع الذيـن هـم أقـل‬
‫الإ اردة بطبيعتهـا أن تطيعهـا بالضـرورة؛ ولذلـك فـإن‬
                                                                                      ‫مركـًاز (وهـذا هـو مبـدأ الفـرق) (‪.)54‬‬

‫ويـرى رولـز‪ ،‬ضـرورة أن يعـرض هـذان المبـدآن تمثـل مبـدأ موضوعـي مـن حيـث إنـه ملـزم لـإ اردة يدعـى‬

‫وفًقـا لترتيـب ملـزم‪ ،‬أي أنهمـا يعرضـان بحسـب معيـار أمـًار (عقلًّيـا‪ ،‬والصـورة التـي يصـاغ فيهـا هـذا الأمـر‬
                   ‫الأولويـة؛ فيجـب أن يسـتوفي مبـدأ الحريـات المتسـاوية يطلـق عليـه الأمـر المطلـق»(‪.)58‬‬

‫والجديـر بالملاحظـة أن مـن أهـم الانتقـادات التـي‬                   ‫قبـل الركـون إلـى مبـدأ مسـاواة الفـرص المنصفـة‪ ،‬ويجـب‬
‫ُوجهـت إلـى كانـط فـي هـذا الخصـوص‪ ،‬هـو أن الأمـر‬                   ‫تطبيـق مبـدأ مسـاواة الفـرص المنصفـة قبـل اللجـوء إلـى‬
‫المطلـق الـذي يقـول بـه وُيحـدد خصائصـه‪ ،‬لا يوضـح‬                   ‫مبـدأ الفـرق(‪ ،)55‬فيقـول‪« :‬والمبـدأ الأول سـابًقا للمبـدأ‬

                                                                ‫‪93‬‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98