Page 148 - merit 39 feb 2022
P. 148

‫العـدد ‪38‬‬                                  ‫‪146‬‬

                               ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                            ‫وأزمته من خلال الترجمة‬
                                                                         ‫إن معظم ما يترجم عن‬
‫في المجتمعات الغربية‪ ،‬خاصة‬        ‫مكمن خطورة قيام الآخر‬
   ‫في مواجهة منصات إنتاج‬          ‫بالدراسات والترجمة عن‬              ‫العربية في مصر‪ ،‬يخرج من‬
                                                                    ‫إحدى حواضن وقلاع الذات‬
 ‫الخطاب السياسي الإعلامي‬                    ‫الذات العربية‪.‬‬
‫هناك؛ لأن له الدور الأكبر في‬        ‫هذا وقد «انتقد مثقفون‬             ‫الغربية متمثلة في الجامعة‬
                                   ‫مصريون كثيرون النمو‬              ‫الأمريكية ومناهجها المعروفة‬
   ‫الاتصال اليومي والمستمر‬         ‫الهائل للبحوث الأمريكية‬
           ‫بالمواطن الغربي‪.‬‬       ‫داخل مصر منذ منتصف‬                   ‫والمشهورة بوعيها بفكرة‬
                                ‫السبعينيات‪ ،‬خاصة البحوث‬              ‫التدافع الحضاري وأنماطه‪،‬‬
‫من هنا تأتي أهمية رصد تلك‬          ‫الاقتصادية والاجتماعية‬             ‫والبحث عن السيناريوهات‬
‫المنصات والمؤسسات المتعلقة‬       ‫التي يجرى الاضطلاع بها‬
                                  ‫وتمويلها من جانب وكالة‬                ‫والسيناريوهات البديلة‪،‬‬
     ‫بإنتاج الصورة النمطية‬     ‫التنمية الدولية الأمريكية»(‪،)17‬‬            ‫والوقوف على مفاصل‬
   ‫للعربي ومتابعتها‪ ،‬وكذلك‬           ‫وتستمر خطورة غياب‬
                                   ‫الترجمة عن طريق الذات‬                ‫الأشياء ومحددات عملها‬
     ‫«تحديد الاستراتيجيات‬       ‫العربية للآخر على المستوى‬             ‫والبحث عن أنماط السلوك‬
     ‫والممارسات التي تجري‬          ‫الإعلامي‪ ،‬الذي يتمثل في‬
     ‫في المؤسسات الإعلامية‬      ‫الأخبار والتقارير المباشرة‪،‬‬              ‫الحضاري‪ ،‬فعلى سبيل‬
    ‫الغربية‪ ..‬كذلك دور هذه‬       ‫بالإضافة للفنون والسينما‬           ‫المثال «الجامعة الأمريكية في‬
   ‫الممارسات وما يتبعها من‬          ‫التي أي ًضا لا بد ستعود‬          ‫القاهرة أصدرت عام ‪2001‬‬
    ‫سياسات داخلية تمارس‬             ‫لتلك الحواضن الثقافية‬
  ‫أثناء عملية إنتاج النصوص‬     ‫المتخصصة (في الغرب) التي‬                  ‫عدد ‪ 26‬عنوا ًنا وتألي ًفا‬
                                 ‫تؤكد على الصورة النمطية‪.‬‬               ‫وترجمة‪ ،‬وأصدرت عام‬
       ‫الإخبارية‪ ،‬ولذلك فإن‬    ‫فمث ًل في فيلم تاريخي أجنبي‬            ‫‪2002‬م عدد ‪ 30‬عنوا ًنا و‬
  ‫الدراسة تسهم في الوصول‬         ‫يتضمن شخصية عربية ما‬
                                ‫قد يلجأ المخرج لمتخصصين‬                      ‫تألي ًفا وترجمة»(‪.)16‬‬
     ‫لفهم أكثر شمو ًل وعم ًقا‬                                            ‫خصو ًصا لأن المدرسة‬
  ‫لدور الترجمة والمترجم في‬            ‫في الدراسات العربية‬                ‫الأمريكية في الدراسات‬
                                ‫(مستشرقون ووفق مفاهيم‬                    ‫الإنسانية تحدي ًدا تعتمد‬
      ‫الإعلام السياسي»(‪.)18‬‬                                                ‫على دراسة «الأنماط»‬
    ‫كما أن الأمر هنا سيتعلق‬        ‫الاستشراق)‪ ،‬لاستكمال‬
  ‫بالانتقائية التي سيمارسها‬          ‫تصور ما في ذهنه عن‬                     ‫واستكشافها‪ ،‬لتوقع‬
  ‫الغرب عند اختيار نصوص‬                                                     ‫المسارات المستقبلية‬
  ‫المصدر لتتم ترجمتها إليه‪،‬‬    ‫الشخصية‪ِ ،‬من َث َّم سيعطونه‬            ‫للسيناريوهات والتدافعات‬
‫حيث سيختار النصوص التي‬           ‫انطبا ًعا نمطيًّا مكر ًرا أي ًضا‪،‬‬  ‫الحضارية الإقليمية والدولية‬
  ‫تؤكد على الصورة النمطية‪،‬‬                                             ‫وموقف دول العالم منها‪،‬‬
  ‫بما يجعل المهمة الملقاة على‬      ‫ويستمر الغرب في إنتاج‬                  ‫كما أنها تستخدم تلك‬
                                  ‫الصورة النمطية الخاصة‬              ‫الدراسات إعلاميًّا وسياسيًّا‬
      ‫العاتق العربي ثقيلة في‬   ‫بالعربي لغياب البديل القادر‬               ‫لتأكيد الصورة النمطية‬
    ‫مشروع الترجمة للآخر‪،‬‬         ‫على تقديم نفسه‪ ،‬من خلال‬             ‫للعربي بما يخدم سياساتها‬
    ‫لوضع اليد على أولويات‬       ‫خطاب ومؤسسات يحترمها‬                     ‫الدولية‪ ،‬وهو دافع أكثر‬
  ‫الترجمة للآخر‪ ،‬وهنا يكرر‬     ‫الآخر ولا يستطيع تشويهها‬                ‫إلحا ًحا لمتابعة ما تقوم به‬
     ‫البعض «أن هناك حاجة‬        ‫أو تنميطها بسهولة‪ ،‬ويكون‬                 ‫المنظمات الأمريكية من‬
  ‫ملحة لخطة علمية للترجمة‬        ‫وجودها ملحو ًظا وحاض ًرا‬            ‫دراسات وأبحاث وترجمتها‬
  ‫من وإلى اللغة العربية تقوم‬                                          ‫للمتلقي الغربي والأمريكي‬
    ‫على حصر لما تم ترجمته‬                                                   ‫في الخصوص‪ ،‬وهنا‬
 ‫وما يجب ترجمته من تراثنا‬
    ‫حتى نحقق إثبات ذاتيتنا‬
   143   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153