Page 161 - merit 39 feb 2022
P. 161

‫حول العالم ‪1 5 9‬‬

       ‫خاتمة‬                   ‫ومجالها ضرورة التفرقة بين‬         ‫من هنا ربما قد يظهر عندنا‬
                                 ‫المترجم باشتراطاته المهنية‬          ‫اشتراط جديد لمن يقوم‬
  ‫قدم ْت هذه الدراسة فلسفة‬       ‫وتمكنه من أدواته اللغوية‪،‬‬          ‫بعملية «الترجمة للآخر»‬
  ‫لمشروع «الترجمة للآخر»؛‬           ‫وبين «المترجم الباحث»‬            ‫وهو أن يتصف بوجود‬
   ‫تربطه بسياسات الخطاب‬            ‫باعتبار صفة الباحث هنا‬
                                  ‫صفة جامعة لعدة مهارات‬         ‫قدرات بحثية‪ ،‬ربما سنتحدث‬
    ‫وإنتاجه والوعي بمعايير‬        ‫ثقافية في العموم قد تكون‬           ‫عن نخبة وعينة مختارة‬
  ‫التلقي‪ ،‬بحيث جعلت مركز‬          ‫أقرب لمفهوم الناقد الثقافي‬        ‫بدقة شديدة لكي تمارس‬
 ‫علمية الترجمة للآخر ينتقل‬          ‫الذي يبحث في الأنساق‬
  ‫لعملية إنتاج الخطاب نفسه‬                                        ‫فعل الترجمة للآخر وإنتاج‬
‫وليس عملية الترجمة اللغوية‬     ‫المضمرة للنصوص ودوافعها‬           ‫الخطاب الخاص به في اللغة‬
                               ‫الحقيقة‪ ،‬التي قد تكون كامنة‬
    ‫وفقط‪ ،‬واهتمت ببيان أن‬      ‫في مستوى أبعد من المستوى‬               ‫العربية الأم في البداية‪،‬‬
   ‫الآخر ليس ك ًّل واح ًدا بل‬                                     ‫فمن سيشاركون في عملية‬
    ‫هو متعدد ومن ثم يجب‬            ‫اللغوي‪ ،‬وكذلك أعقد من‬
 ‫على الخطاب الموجه للترجمة‬      ‫مستوى المضمون والمحتوى‬                ‫الترجمة للآخر وإنتاج‬
 ‫للآخر أن يتعدد‪ ،‬وفق تعدد‬                                        ‫الخطاب الخاص بها في اللغة‬
   ‫السياقات ومعايير التلقي‬                        ‫المباشر‪.‬‬       ‫الأم بداية سيخضعون لعدة‬
 ‫الخاصة بهذا الآخر المتعدد‪.‬‬     ‫كما سنضيف لمهارات الناقد‬         ‫شروط مجتمعة‪ ،‬من ضمنها‬
 ‫واعتبرت فلسفة الدراسة أن‬      ‫الثقافي هنا في سياق الترجمة‬
 ‫مشروع الترجمة عن الذات‬                                               ‫القدرات المهنية المعتادة‬
  ‫العربية للآخر في فترة «ما‬        ‫إلى الآخر ومنه‪ ،‬ضرورة‬          ‫للمترجم وتمكنه من أدواته‬
 ‫بعد المسألة الأوروبية»‪ ،‬هو‬        ‫معرفة الأنساق المضمرة‬         ‫في اللغتين المصدر والهدف‪،‬‬
    ‫في حقيقة الأمر مشروع‬        ‫للذات في علاقتها مع الآخر‪،‬‬
 ‫لتقديم سردية عربية كبرى‬           ‫فقد يكون هناك مسكوت‬              ‫لكن ذلك لن يكون شر ًطا‬
    ‫مضادة للصورة النمطية‬             ‫عنه في الأنساق القائمة‬                      ‫كافيًا أب ًدا‪.‬‬
                                 ‫بين الذات والآخر‪ ،‬ومن ثم‬
     ‫الغربية‪ ،‬تتصدى لها في‬      ‫سيكون على الباحث المترجم‬          ‫إنما يجب ان يرافقه المعرفة‬
       ‫فترة حضارية حرجة‬         ‫معرفة تلك الأنساق والوعي‬        ‫بمفاهيم واشتراطات نظريات‬
                                ‫بها أي ًضا؛ تفرق ًة عن المترجم‬  ‫التلقي وإنتاج الخطاب الفعال‪،‬‬
    ‫للغاية تبرز فيها سردية‬         ‫العادي‪ ،‬وفي هذا السياق‬
  ‫غربية كبرى مضادة للذات‬         ‫يضع البعض معادلة تقول‬             ‫ومفاهيم الصورة النمطية‬
                                    ‫إنه «ومن ثم فإن باحث‬             ‫وآليات تغييرها‪ ،‬وتراث‬
    ‫العربية‪ ،‬ويحقق خطابها‬      ‫الترجمة الحديث ‪-‬والمترجم‪-‬‬            ‫الذات ومستودع هويتها‪،‬‬
    ‫الرواج والانتشار‪ ،‬وهي‬          ‫لا يدرس العينات اللغوية‬
‫سردية «صفقة القرن» وأبرز‬            ‫في ظروف مختبرية‪ ،‬إن‬         ‫وأنماط التدافع الحضاري في‬
 ‫مخلفاتها الحالية المتمثلة في‬     ‫صح هذا التعبير‪ ،‬بل ينظر‬        ‫العموم والخاص بالحاضنة‬
   ‫«الاتفاقيات الإبراهيمية»‪،‬‬      ‫إلى النص كأنما يطل عليه‬
  ‫وخطابها الثقافي‪ /‬الديني‪/‬‬        ‫من طائرة عمودية فيبصر‬            ‫الخاصة بالذات (العربية)‬
   ‫السياسي الناعم للسيطرة‬            ‫السياق الثقافي أو ًل‪ ،‬ثم‬    ‫في الخصوص‪ ،‬وكذلك تراث‬
                               ‫سياق الموقف‪ ،‬ثم النص آخر‬
        ‫والهيمنة والاحتواء‪.‬‬                                           ‫الآخر المتعدد والمتباين‪،‬‬
       ‫إذ أكدت الدراسة على‬                      ‫الأمر»(‪.)38‬‬       ‫بالإضافة للقدرة على تقديم‬
 ‫الاهتمام بقضايا وإشكاليات‬                                         ‫الخطاب المترجم للآخر في‬
‫«الترجمة للآخر»‪ ،‬وبالأخص‬                                         ‫شكل مخرجات متنوعة عند‬
                                                                ‫الحاجة (مادة مصورة‪ -‬مادة‬

                                                                     ‫درامية‪ -‬مادة تفاوضية‬
                                                                            ‫سياسية‪ ..‬إلخ)‪.‬‬

                                                                    ‫ولقد ظهر عند الكثير من‬
                                                                ‫الباحثين في دراسات الترجمة‬
   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165   166