Page 186 - merit 39 feb 2022
P. 186

‫العـدد ‪38‬‬                           ‫‪184‬‬

                              ‫فبراير ‪٢٠٢2‬‬                       ‫علمت الأخيرة بوقوعها‬
                                                               ‫في غرام رقصها‪ ،‬اتخذت‬
       ‫فنها المنتشي‪ ،‬رقصة‬        ‫القاهرة‪ .‬لم تكن «بدوية»‬       ‫منه نقطة ضعف تهددها‬
               ‫«الكاريوكا»‬     ‫تدري أنها ستخوض غمار‬           ‫بها في حال أخبرت أخيها‬
                 ‫البرازيلية‬    ‫هذا السفر الخطير بعد أقل‬      ‫المنغلق‪ ،‬فكانت الطفلة تنفذ‬
                 ‫التي كانت‬                                    ‫ما يطلب منها من الأعمال‬
                                 ‫من ثلاثة أيام فقط‪ ،‬هر ًبا‬  ‫المنزلية نظير أن تترك حرة‬
             ‫بتعبير مدربها‬      ‫من عقاب أخيها الوحشي‬         ‫في غرامها‪ ،‬بالرغم من أنها‬
           ‫الإسباني «قنبلة‬                                    ‫لم تسلم من ضرب أخيها‬
                                                     ‫لها‪.‬‬       ‫المبرح واصلت ممارسة‬
                    ‫تحية»‪.‬‬         ‫كسمكة سقطت في الماء‬      ‫الرقص حتى تلك الليلة التي‬
             ‫لم تكن القنبلة‬    ‫وصلت «تحية» بسرعة من‬            ‫حلق لها شعرها وقيدها‬
          ‫الراقصة إلا بداية‬      ‫صحبة «سعاد محاسن»‬              ‫فوق السطوح بلا طعام‬
       ‫انفجار هائل لشهرة‬            ‫إلى فرقة الملكة «بديعة‬
        ‫وملكات «كاريوكا»‪،‬‬       ‫مصابني»‪ ،‬وكانت فرقتها‬                 ‫لتقلع عنه نهائيًّا‪.‬‬
‫فتواصل ومضها الانفجاري‬        ‫في حقيقتها أكبر معاهد الفن‬      ‫تلك الليلة في الإسماعيلية‬
   ‫في تفاعل تسلسل بلهيب‬           ‫المصري ‪-‬رق ًصا وغنا ًء‬
    ‫موهبتها وفتنتها بالفن‪،‬‬       ‫وتمثي ًل‪ -‬في الحقبة التي‬         ‫‪-‬حيث ولدت ونشأت‬
 ‫بفضل ذلك تمكنت «الطفلة‬       ‫تلت ثورة ‪ 1919‬ومن قبلها‪.‬‬        ‫وتربت‪ -‬حاولت «بدوية»‬
‫المتمردة» من الاستفادة من‬     ‫سرعان ما أصبحت «تحية»‬
   ‫سلسلة نادرة من الرعاة‬         ‫نجمة الفرقة الثانية‪ ،‬يتلو‬       ‫الرقص على عادتها من‬
 ‫العظماء‪ ،‬على رأسهم الفنان‬       ‫اسمها على لوحة الدعاية‬           ‫زاوية ضيقة‪ ،‬الرقص‬
  ‫«سليمان بك نجيب» مدير‬                                        ‫بهدوء تام‪ ،‬ولو من دون‬
    ‫دار الأوبرا الملكية الذي‬        ‫البراقة اسم الراقصة‬        ‫أن تهز جسدها‪ ،‬حتى لا‬
   ‫رأى فيها «فنانة الشرق»‬      ‫الأولى اللامعة آنئذ «حكمت‬       ‫يلاحظها أحد من معزايم‬
    ‫المنتظرة‪ ،‬وكان أول من‬                                       ‫عرس في الجوار‪ ،‬لكنها‬
 ‫وجهها لتعلم رقص الباليه‪،‬‬        ‫فهمي»‪ ،‬لكن هذا الوضع‬         ‫نسيت حذرها لما انتظمت‬
       ‫والمقامات الموسيقية‪،‬‬          ‫المتقدم ‪-‬وإن أرضى‬        ‫حركتها بإيقاع الموسيقى‪،‬‬
  ‫واللغات الأجنبية‪ ،‬وضبط‬                                    ‫اجتذب رقصها أنظار اثنين‪:‬‬
  ‫مخارج الحروف‪ ،‬وتقاليد‬          ‫طموحها المادي‪ -‬لم يكن‬         ‫الأول أحد أصدقاء أخيها‬
    ‫الطبقات الارستقراطية‪.‬‬       ‫مرضيًا لتطلعات موهبتها‬       ‫الذي تسببت ملاحظته لها‬
    ‫من بينهم الفنان «نجيب‬        ‫الصارخة‪ ،‬أخذت «تحية»‬           ‫في عقوبة مهلكة‪ ،‬الثانية‬
     ‫الريحاني» الذي ألهمها‬                                   ‫مغنية ممن يحيين العرس‪،‬‬
     ‫بخبراته العملية في فن‬         ‫تعترض باستمرار على‬           ‫لاحظت بدهشة أن أداء‬
     ‫التمثيل والمسرح‪ .‬ومن‬     ‫مدرب الفرقة الإسباني وهو‬        ‫الطفلة الراقص يفوق أداء‬
        ‫قبلهما كانت «بديعة‬                                   ‫المحترفات اللائي صاحبن‬
    ‫مصابني» التي لقبت في‬         ‫يدربها بأسلوب «حكمت‬             ‫غناءها‪ ،‬لم تملك المغنية‬
 ‫أزمنة مجدها بـ»الملكة»‪ .‬لم‬     ‫فهمي»‪ ،‬كان طموح الفتاة‬      ‫«سعاد محاسن» نفسها من‬
    ‫يكن هؤلاء سوى نجوم‬           ‫أن تكون هي وليس أح ًدا‬       ‫إطراء موهبة الطفلة‪ ،‬ومن‬
      ‫بارزة التمعت في أفق‬     ‫آخر‪ ،‬طموح أن تمتلك ذاتها‬        ‫أن تطلب منها زيارتها في‬
 ‫«كاريوكا» المسحور بالفن‪،‬‬                                     ‫«المرسح» الذي تعمل فيه‬
 ‫ولم يكونوا نجو ًما في الفن‬       ‫بالوصول بموهبتها إلى‬         ‫بشارع «عماد الدين» في‬
‫فقط‪ ،‬وإنما في الفكر والأدب‬       ‫أسلوب خاص ومميز في‬
                                 ‫التعبير بالجسد لا تشبه‬
                                  ‫فيه سواها‪ ،‬ولا تشبهها‬
                                  ‫فيه راقصة غيرها‪ ،‬وهو‬
                                  ‫ما وقع عند العثور على‬
                                ‫رقصتها التي كسبت منها‬
                                 ‫اسمها ول َّقبها به جمهور‬
   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191