Page 125 - merit 40 apr 2022
P. 125

‫تخضع عتبة العنوان لمكون‬                                                    ‫جاستون باشلار‬
             ‫مكاني متضم ٍن عنصرين‬
                                                              ‫أخباره لمدة طويلة من الزمن ‪-‬أربعين عا ًما‪-‬‬
        ‫رئيسين‪( :‬الحديقة) بوصفها‬                                ‫حتى ظن أهل نجع الزرايب أنه مات‪ ،‬ولكنه‬
          ‫مكا ًنا يحمل دلالات حميمية‬                            ‫يخرج عليهم من الجبل‪ ،‬من نفق يؤدي إلى‬
      ‫وأليفة‪ ،‬و(محرمة) الصفة الدالة‬                      ‫(أرض النبع المقدس) الوارفة التي وصل إليها بعد‬
                                                        ‫تيهه في الصحراء ج َّراء هربه من قريته إثر اشتباكه‬
            ‫على هذا المكان التي من‬                      ‫مع أهل بيت غبريال‪ .‬تحمل (الوريثة وحيدة) أسئلة‬
     ‫شأنها حجب الدلالات الحميمية‬                            ‫كثيرة حول ع ِّمها (ألهم) الذي يحمل نفس اسم‬
                                                        ‫الجد الأكبر لعائلتها (ألهم الكبير)‪ ،‬وتساؤلات حول‬
           ‫الأولى للـ"حديقة" فلا يلبث‬                      ‫اختفاء أمها (مريم غبريال) وغموض أبيها (عبد‬
       ‫عنصرا العنوان أن يطرحا م ًعا‬                     ‫القادر) الذي لا تفهم سببه‪ ،‬حتى تكتشف أ َّن (ألهم)‬
     ‫صورة (جنة آدم الأولى) بوصفها‬                        ‫هو والدها الحقيقي‪ ،‬وأن أمها لم تصعد إلى السماء‬
      ‫المكاني الذي يحوطه السياج‪.‬‬                          ‫أو تتب َّخر في الهواء كما ظن أهل القرية وإنما ترقد‬
                                                                ‫مختبئة في قبو ببيت عائلتها‪ ،‬عائلة غبريال‪.‬‬
    ‫صورة مريم غبريال‪ ،‬كل تلك العناصر وغيرها‬             ‫تحوي الرواية العديد من الأسئلة التي تظل مش َّرعة‬
  ‫تو ِّزعها الكاتبة على عد ٍد كبير من الأمكنة‪ ،‬منها ما‬     ‫حتى قرب نهاية الرواية وتتضمن ألغا ًزا تتسابق‬
   ‫يبدو شديد الواقعية ومنها ما يقف المتلقي أمامه‬          ‫(الوريثة) في البحث عن أجوبة لها‪ ،‬وهو ما يرفع‬
                                                         ‫الحس التشويقي للأحداث؛ إ َّل أ َّن الكاتبة لم تعتمد‬
      ‫محتا ًرا‪ :‬أهي أمكنة واقعية أم فانتازية أم أنها‬       ‫على ذلك الحس التشويقي فحسب‪ ،‬بل إنها تأخذ‬
    ‫واقعية ولكن عقل الإنسان هو الذي يحولها إلى‬              ‫في تشييد أمكنة عديدة متباينة تأخذ المتلقي من‬
                                                        ‫وجهة لأخرى دافعة إياه ‪-‬كما (الوريثة)‪ -‬إلى اللهث‬
                  ‫فانتازية ويوافق على تصديقها؟‬           ‫خلف تفاصيل ومكونات تلك الأمكنة لعله يصل إلى‬
        ‫تخضع عتبة العنوان لمكون مكاني متضم ٍن‬            ‫أجوبة‪ :‬تماسيح في الصحراء‪ ،‬نبع مقدس ُيلقى فيه‬
‫عنصرين رئيسين‪( :‬الحديقة) بوصفها مكا ًنا يحمل‬               ‫البشر مثل القرابين‪ ،‬ذهب ُيسمى بالحجر الل ّماع‬
‫دلالات حميمية وأليفة‪ ،‬و(محرمة) الصفة الدالة على‬            ‫بد ًل من المعدن النفيس‪ ،‬أيقونة العذراء إلى جوار‬
‫هذا المكان التي من شأنها حجب الدلالات الحميمية‬
    ‫الأولى للـ»حديقة» فلا يلبث عنصرا العنوان أن‬
     ‫يطرحا م ًعا صورة (جنة آدم الأولى) بوصفها‬
    ‫المكاني الذي يحوطه السياج‪ ،‬ولا يمكن الولوج‬
  ‫إليه إلا بشروط محددة‪ ،‬ولا يمكن الاقتراب منها‪،‬‬
    ‫وبوصفها المفاهيمي الذي يحمل دلالات الممنوع‬
    ‫المرغوب؛ مما يستثير عد ًدا من التساؤلات‪ :‬لماذا‬
 ‫ُح ِّرمت هذه الحديقة؟ ومن الذي حرمها؟ من الذي‬
    ‫يمتلك أسباب الترغيب أو التحريم؟ الرواية إذن‬
     ‫رواية مكان من الدرجة الأولى‪ .‬ولكن لا تشكل‬
 ‫(الحديقة المحرمة) ‪-‬كمكان روائي‪ -‬سوى عنص ٍر‬
     ‫واح ٍد من مجمل الأمكنة الرئيسة الموجودة في‬
   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129   130