Page 147 - merit 40 apr 2022
P. 147

‫‪145‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

 ‫أن السلطان محمد الثالث كان قد‬       ‫بقتل أخيه الرضيع؛ فـ»صار قتل‬                 ‫العصبية ال ُقرشية بكل تفرعاتها‪،‬‬
‫أصدر قانو ًنا ينظم ولاية العرش‪،‬‬        ‫الأخوة عادة تقريبًا»؛ وعلى هذا‬                 ‫وذلك على رغم وجود خلفاء‬
  ‫فنص على أن ُيوض َع الأمراء كل‬
‫في مقصورة داخل القصر ُتسمى‬           ‫الأساس «القانوني» قام السلطان‬                 ‫العصبية العباسية في مصر من‬
 ‫«القفص»‪ ،‬وحر َم عليهم الاتصال‬          ‫سليم الأول (‪1520 -1512‬م)‬                  ‫جهة‪ ،‬واحتفاظ العصبية العلوية‪،‬‬
‫بالعالم الخارجي‪ ،‬كما حر َم عليهم‬          ‫بمطاردة أخ َو ْيه وقتلهما مع‬
 ‫الزواج؛ وذلك بد ًل من أن ُيقتلوا‪،‬‬       ‫خمسة من أولادهما «ليطمئن‬                   ‫بكل تفرعاتها أي ًضا‪ ،‬بهذا الحق‬
                                         ‫خاطره ولا يبقى له ُمناز ٌع في‬              ‫ومطالبتها به‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬
    ‫غير أن عادة القتل لم تتوقف‬             ‫المُ ْلك»‪ ،‬وق َت َل السلطان مراد‬         ‫في المرحلة العثمانية بلغت آلية‬
‫فور صدور القانون‪ ،‬كما رأينا في‬        ‫الثالث (‪1595 -1574‬م) أخوته‬                     ‫انتقال السلطة أبشع صورها‬
                                         ‫الخمسة «ليأمن على المُلك من‬
   ‫فعل مراد الرابع‪ ،‬لكنها صارت‬         ‫المنازعة»‪ ،‬وأمر السلطان محمد‬                   ‫وأكثرها وحشي ًة في الصراع‬
    ‫تخ ُّف تدريجيًّا إلى أن زالت في‬     ‫الثالث (‪ )1603 -1595‬بخنق‬                     ‫ال ُأسري الذي شهدته الدولة‪،‬‬
‫أواسط القرن السابع عشر‪ ،‬وذلك‬            ‫أخوته التسعة عشر «قبل دفن‬                     ‫وهو ما دفع السلطان محمد‬
                                                                                    ‫الأول (‪1421 -1413‬م)‪ ،‬الذي‬
     ‫أيام السلطان ابراهيم الأول‬      ‫أبيه ف ُدفنوا م ًعا»‪ ،‬و َأع َدم ابنه بنا ًء‬  ‫كان قد َخبِر الصراع على السلطة‬
‫(‪( )1648 -1640‬طقوش‪ :‬تاريخ‬             ‫على وشايا ٍت كاذبة؛ (محمد فريد‬                 ‫مع أشقائه‪ ،‬إلى التوصية بأن‬
                                      ‫بك المحامي‪ :‬تاريخ الدولة العلية‬
    ‫العثمانيين من قيام الدولة إلى‬                                                      ‫يتولى الإمبراطور البيزنطي‬
  ‫الانقلاب على الخلافة‪ ،‬ص‪560‬‬           ‫العثمانية‪ ،‬ص‪،259 ،188 ،161‬‬                   ‫رعاية أصغ َري أولاده الأربعة‬
 ‫و‪ /563‬د‪.‬خليل إنجاليك‪ :‬تاريخ‬          ‫‪ /267‬كوندوز‪ :‬الدولة العثمانية‬
  ‫الدولة العثمانية من النشوء إلى‬      ‫المجهولة‪ ،‬ص‪)275‬؛ بينما أرسل‬                      ‫من بعده‪ ،‬وذلك لأنه خشي‬
                                                                                   ‫«من نشوب صرا ٍع على السلطة‬
              ‫الإنحدار‪ ،‬ص‪.)97‬‬           ‫السلطان مراد الرابع (‪-1623‬‬                  ‫قد يشكل خط ًرا عليهما‪ ،‬فأراد‬
      ‫في كل الأحوال‪ ،‬فإن التغلب‬           ‫‪1640‬م) خلال حملته الأولى‬                  ‫إبعادهما عن مسرح الأحداث»‬
    ‫والصراع العنفي على السلطة‬                                                       ‫(طقوش‪ :‬تاريخ العثمانيين من‬
   ‫ليست صف ًة عربية أو إسلامية‬          ‫على إيران أم ًرا بخنق اثنين من‬
‫خالصة انفرد بها تاريخنا لوحده‪،‬‬       ‫أخوته‪ ،‬واثناء حملته الثانية أرسل‬                 ‫قيام الدولة إلى الانقلاب على‬
   ‫بل كان سم ًة طاغية من سمات‬                                                     ‫الخلافة‪ ،‬ص‪ ،)85‬بينما دفع ذلك‬
     ‫تلك العصور‪ ،‬حيث تصارع‬               ‫أم ًرا آخر بخنق ثالثهم (يلماز‬
    ‫الأقوياء على السلطة منذ أقدم‬      ‫أوزتونا‪ :‬تاريخ الدولة العثمانية‪،‬‬              ‫الصراع السلطان محمد الفاتح‬
 ‫الدهور وما زالوا‬                      ‫ص‪ ،)473‬وذلك على الرغم من‬                      ‫(‪1458 -1451‬م) إلى تشريع‬
      ‫يتصارعون‬                                                                       ‫«قتل الأخوة» وأ َم َر هو نفسه‬
 ‫مدفوعين بنزعات‬
 ‫بشرية قائمة على‬
‫الجشع والاستئثار‬

         ‫والتسلط‬
      ‫والاستهانة‬
  ‫بالإنسان كقيمة‬
    ‫أساسية‪ ،‬وهي‬
 ‫نزعا ٌت لم تتشذب‬
     ‫بالكامل بعد‪،‬‬
  ‫وذلك على الرغم‬
 ‫من كل الفلسفات‬
   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151   152