Page 149 - merit 40 apr 2022
P. 149

‫‪147‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

 ‫السلوك‪ .‬إن دولة المواطنة المدنية‬      ‫الدين في التحريض ضد المختلِف؛‬                 ‫الطائفي أو العشائري؛ وعليه‬
‫الديموقراطية لا ُتلغي الانتماءات‪،‬‬         ‫وهي إذ تمنع رجال الدين من‬                  ‫لا َيسمح جوهرها القائم على‬
 ‫التي هي جزء من الخصوصيات‬                                                        ‫التساوي في المواطنة بأي إدعاءا ٍت‬
‫والتنوع داخل الوحدة‪ ،‬لكنها تمنع‬        ‫التأثير على سير مؤسسات الدولة‬             ‫للتميز تقوم على النس ِب لعائل ٍة أو‬
                                        ‫ونظامها الديموقراطي بالفتاوى‬             ‫عشير ٍة أو ِعر ٍق أو طائفة‪ ،‬ف َت ُحول‬
  ‫أن يكون سلوك هذه الانتماءات‬           ‫والتأثير العاطفي على الجماهير‪،‬‬           ‫بذلك دون التغلب الذي لا يفارقه‬
  ‫مصد ًرا للتسلط والظلم والتعالي‬                                                 ‫السيف خو ًفا من طامحين آخرين‬
                                       ‫فإنها لا تفصل الدين عن المجتمع‪،‬‬             ‫يتربصون به للانقضاض عليه‪،‬‬
      ‫وعدم المساواة أمام القانون‬        ‫بل العكس‪ ،‬فهي الحارس لحرية‬               ‫وذلك في دائر ٍة لا تنتهي من القتل‬
  ‫وفي حقوق المواطنة‪ ،‬حيث تغلق‬                                                         ‫والتدمير وانعدام الاستقرار‬
  ‫دولة المواطنة الطريق أمام جعل‬            ‫التدين والعبادة‪ ،‬طالما أن ذلك‬            ‫وإعادة انتاج الاستبداد‪ .‬كذلك‬
 ‫أدوات الحكم ومؤسسات الدولة‬                ‫لا يؤثر ولا يعتدي على حرية‬            ‫فإن دولة المواطنة تمنع استغلال‬

     ‫صي ًدا لتغلب تلك الانتماءات‪،‬‬            ‫الآخرين واحترام عقائدهم‪.‬‬
 ‫سوا ًء أكان ذلك بالقوة‪ ،‬أم بالمال‬      ‫ُسئِ َل الإمام زين العابدين‪َ « :‬أ ِم َن‬
 ‫السياسي الذي هو إحدى أدوات‬              ‫العصبي ِة أن ُيحب الرجل قومه؟‬
                                         ‫فقال‪ :‬لا‪ ،‬ولكن من العصبية أن‬
    ‫التغلب‪ .‬يقول الأمين العباسي‬          ‫ينص َرهم على الظلم»‪ ،‬ذلك يعني‬
   ‫عن دور المال في بيعة الخلافة‪:‬‬
‫«وإنما النا ُس مائلو َن م َع الدراهم‪،‬‬       ‫أن العصبية انتما ٌء وسلوك‪،‬‬
                                         ‫فهي غير ُمضرة‪ ،‬أو غير سلبية‬
     ‫ُمنقادون لها‪ ،‬لا ينظرو َن إذا‬
‫وجدوها‪ِ ،‬ح ْف َظ بيع ٍة‪ ،‬ولا يرغبو َن‬     ‫من ناحية كونها انتماء‪ ،‬ولك ْن‬
‫في وفا ِء عه ٍد ولا أمان ٍة» (الطبري‪:‬‬  ‫ُيمكنها أن تكون ُمدمر ًة من ناحية‬

     ‫تاريخ‪ ،‬ج‪ 8‬ص‪ ،)403‬وتلك‬
 ‫مشكل ٌة لا ُيمكن حلها إلا باشباع‬
 ‫حاجات الناس وبث الطمأنينة في‬
‫نفوسهم وإزالة ما َيس ُكن فيها من‬
‫قل ٍق حاضر وانعدام ثق ٍة بمستقب ٍل‬
  ‫آمن نتيجة تقلب الدول بالتغلب‪،‬‬
‫والذي لا حل له إلا بدولة المواطنة‬
  ‫المدنية الديموقراطية القائمة على‬

   ‫الانتقال السلمي للسلطة وعلى‬
‫التنوع والتعدد والالتزام بالقانون‬
‫واحترام حقوق الإنسان‪ ،‬وبتعزيز‬

  ‫ال ُهويات الوطنية النابذه لنزعات‬
      ‫التفوق والتميز والادعاءات‬

  ‫«التاريخية» التي تشكل منطل ًقا‬
   ‫لمشاري َع إمبراطوري ٍة عفا عليها‬
 ‫الزمن ولن تقودنا إلا إلى دورا ٍت‬
  ‫جديدة من التغلب الدموي الذي‬
  ‫يهدر الكرامة الإنسانية ويحرم‬
   ‫مجتمعاتنا السلام والاستقرار‬
   144   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154