Page 151 - merit 40 apr 2022
P. 151

‫‪149‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

 ‫أن من شروط النسخ ثبوت حكم‬          ‫وليس العكس‪ ،‬والسنة قد تنسخ‬                                                             ‫والحقيقة أن قضية الناسخ‬
 ‫المنسوخ قبل ثبوت حكم الناسخ‬                                                                                                ‫والمنسوخ في علوم القرآن‬
                                    ‫السنة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وفي الأمر خلاف‬                                                            ‫وتجلياتها في علم الأصول‬
    ‫حتى يحدث الرفع أو الإزالة‪،‬‬                                                                                           ‫والفقه والتفسير أصبحت من‬
  ‫بمعني أن الحكم لا بد أن يكون‬                   ‫أي ًضا‪.‬‬                                                              ‫الثبات والرسوخ عند الأصوليين‬
                                                                                                                        ‫والمفسرين والفقهاء لدرجة أن‬
        ‫قد تر َّسخ قبل أن ُين َسخ‪.‬‬  ‫وينقسم النسخ –كذلك‪ -‬باعتبار‬                                                          ‫تعريفات اللغويين لمعني كلمة‬
   ‫وهنا يأتي السؤال حول‪ :‬كيف‬                                                                                               ‫النسخ يسيطر عليها مفهوم‬
‫يتأتي لنا معرفة السابق واللاحق‬      ‫الحكم والتلاوة إلى ثلاثة أقسام‬                                                    ‫النسخ الاصطلاحي عند الفقهاء‪،‬‬
                                                                                                                     ‫وبالتالي فهي نظرية لها ضوابطها‬
      ‫من الآيات؟ مع ملاحظة أن‬       ‫(والتقسيم للسيوطي (ت ‪911‬هـ)‬                                                           ‫وأدلتها ويستطيع القائل بها‬
   ‫القرآن بترتيبه الذي بين أيدينا‬                                                                                    ‫تفسير وتأويل العديد من الظواهر‬
 ‫قد عارضه (راجعه) الرسول مع‬         ‫وعليه سار العلماء)‪ :‬ما ُنسخ‬
    ‫جبريل –توقي ًفا‪ -‬مرتين ‪-‬كما‬                                                                                                  ‫القرآنية على ضوئها‪.‬‬
‫ورد‪ ،-‬فنحن نقرأ الفاتحة في أول‬      ‫حكمه وتلاوته مثل حديث عائشة‬                                                                          ‫لماذا النسخ؟‬
‫القرآن ونحن نعلم أن أول ما نزل‬
  ‫هو الآيات الأولى من اقرأ‪ .‬وهنا‬    ‫عن نسخ عشر رضعات معلومات‬                                                           ‫علي الرغم من أن القول بالنسخ‬
   ‫يأتي دور أسباب النزول لتحل‬                                                                                         ‫ليس له أص ًل صحي ًحا وصري ًحا‬
 ‫هذا الإشكال‪ ،‬ومن هنا كان العلم‬     ‫بخمس معلومات‪ ،‬وما ُنسخ‬                                                             ‫في القول به‪ ،‬إلا أن الفقيه المسلم‬
 ‫بأسباب النزول ضروري لمعرفة‬
   ‫الناسخ والمنسوخ‪ .‬لكن أسباب‬       ‫حكمه دون تلاوته مثل نسخ آيات‬                                                         ‫استساغ لنفسه القول بوجود‬
‫النزول في الحقيقة قد تزيد اللبس‬                                                                                         ‫نسخ في القرآن الكريم در ًءا لما‬
  ‫ولا تزيله‪ ،‬لأن عدد الآيات التي‬    ‫الزكاة المفروضة لآيات الإنفاق‬                                                     ‫هو أخطر على القرآن ‪-‬من وجهة‬
 ‫نعرف لنزولها سببًا محدو ٌد ج ًّدا‬                                                                                   ‫نظره‪ -‬وهو‪ :‬وجود تعارض قائم‬
‫بالنسبة لمجمل آيات القرآن‪ ،‬فليس‬     ‫بوجه عام‪ ،‬ونسخ „ َوإِن ُت ْب ُدوا َما‬                                               ‫بين نصوص القرآن‪ ،‬بحيث لا‬
                                    ‫اَأنل َُّفُل ِ“س ُك(اْملبَأقْور ُتة‪ْ :‬خ ُف‪4‬و‪ُ 8‬ه‪ُ 2‬ي) َحباال ِأس ْيبةُكم‬  ‫ِف‬     ‫يمكن رفع هذا التعارض ‪-‬في ذهن‬
     ‫في القرآن ثنائية (آية‪ /‬سبب‬                                                                               ‫ِب ِه‬  ‫المجتهد‪ -‬من دون إبطال حكم أحد‬
                        ‫نزول)‪.‬‬      ‫التي تليها „ َل ُي َكلِّ ُف ال َّ ُل َن ْف ًسا‬                                     ‫النصين أو إزالته‪ .‬التخلص منه‬
                                    ‫إِ َّل ُو ْس َع َها“ (‪ ،)286‬وغيرها‬                                               ‫‪-‬إن صح التعبير‪ -‬أو هو على حد‬
      ‫الأمر الثاني أن الأصوليين‬     ‫من الأمثلة الكثيرة مما ذكره‬                                                        ‫تعبير ابن الجوزى (ت ‪597‬هـ)‬
    ‫أنفسهم وضعوا قاعدة تحكم‬                                                                                           ‫في نواسخ القرآن‪ :‬وقوع تناقض‬
                                    ‫السيوطي وغيره‪ ،‬وهو في الحقيقة‬                                                       ‫بين حكمين شرعيين ولا يمكن‬
       ‫العلاقة بين أسباب النزول‬                                                                                          ‫الجمع بينهما في سلوك واحد‬
    ‫والعبرة المترتبة عليها (العبرة‬  ‫موضع بحثنا هذا (الآيات المقروءة‬                                                      ‫فيكون أحدهما ناس ًخا والآخر‬

       ‫بعموم اللفظ لا بخصوص‬         ‫في القرآن الذي بين أيدينا وتبدو‬                                                                        ‫منسو ًخا‪.‬‬
  ‫السبب)‪ ،‬فأسباب النزول أدوات‬                                                                                             ‫وقد تو َّسع القدماء في القول‬
‫مساعدة على الفهم وليست حاكمة‬        ‫للقارئ أنها متعارضة)‪ ،‬القسم‬                                                        ‫بالنسخ فلم يقفوا به عند حدود‬
                                                                                                                        ‫النص القرآني بل تعدوا به إلى‬
     ‫على الخطاب كما يقول د‪.‬طه‬       ‫الثالث ما ُنسخت تلاوته دون‬                                                           ‫السنة النبوية‪ ،‬ووضعوا لذلك‬
                      ‫العلواني‪.‬‬     ‫حكمه‪ ،‬وقد نقلوا مثا ًل لهذا أن‬                                                      ‫ضوابط بحيث يقع النسخ بين‬
                                                                                                                     ‫نصين متكافئين أو أحدهما أقوى‬
‫مساحة النسخ في القرآن‬               ‫سورة الأحزاب كانت تعدل سورة‬                                                       ‫من الآخر‪ ،‬فالسنة ُتن َسخ بالقرآن‬
    ‫عند القائلين به‬
                                    ‫البقرة وغيرها من المرويات في‬
‫ونقل السيوطي في كتابه (الإتقان‬
 ‫في علوم القرآن) تقسيم بعضهم‬        ‫مثل هذا الصدد‪.‬‬

                                    ‫معيار النسخ‬

                                    ‫يعتبر الزمن هو المعيار الذي يتم‬
                                    ‫اختيار الناسخ على أساسه ‪-‬بعد‬
                                     ‫حصول التعارض أو التضاد‪،-‬‬

                                       ‫بحيث يصبح السبيل لتحديد‬
                                       ‫ما هو ناسخ وما هو منسوخ‬

                                         ‫هو الزمن‪ ،‬بحيث يتم إلغاء‬
                                      ‫الحكم السابق والعمل بما هو‬
                                    ‫لاحق –زمنيًّا‪ ،-‬بل لقد اعتبر ابن‬
                                    ‫الجوزي في كتابه نواسخ القرآن‬
   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156