Page 154 - merit 40 apr 2022
P. 154

‫بوجود نسخ في النص القرآني‪.‬‬                                ‫العـدد ‪40‬‬                           ‫‪152‬‬
  ‫وبالطبع فإن العلواني ليس أول‬
   ‫القائلين بهذا من هذه المدرسة‪،‬‬                                            ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬    ‫التدريجية للتحريم مثل (فيهما‬
  ‫فقد سبقه إلى ذلك الشيخ محمد‬                                                            ‫إثم كبير ومنافع للناس‪ ،‬وإثمهما‬
                                       ‫لإنتاج أحكام أكثر تلاؤ ًما مع‬
    ‫الغزالي (‪ )1996 -1917‬في‬              ‫العصر واتسا ًقا مع البيئات‬                                   ‫أكبر من نفعهما)‪.‬‬
  ‫كتابه نظرات في القرآن الكريم‪.‬‬         ‫المختلفة‪ .‬هذا ما وصلني من‬                           ‫ويتعامل د‪.‬حنفي مع التقسيم‬

     ‫يعلن العلواني رفضه القاطع‬     ‫قراءتي المبدئية غير المتو ِّغلة في ما‬                      ‫الثلاثي الذي قسمه العلماء‬
   ‫لفكرة وجود النسخ في القرآن‬                          ‫كتبه حنفي‪.‬‬                       ‫للناسخ والمنسوخ من حيث الحكم‬

       ‫الكريم في مجمل دراساته‬      ‫طه العلواني يش ّن حر ًبا‬                               ‫والتلاوة بذات الروح الدائرة في‬
    ‫القرآنية‪ ،‬ولاسيما كتابه نحو‬     ‫على القول بالنسخ في‬                                    ‫كتابه‪ ،‬فما ُن ِسخ رسمه وحكمه‬
     ‫موقف قرآني من النسخ‪ ،‬بل‬
‫ويطلق على القول بوجود نسخ في‬                ‫القرآن‬                                           ‫لم يعد صال ًحا للحكم لا من‬
‫القرآن القول الغثيث‪ .‬ومن الجدير‬                                                            ‫حيث الصياغة النظرية ولا من‬
                                        ‫يعد العلواني واح ًدا من أبناء‬                   ‫حيث التشريع والعمل‪ ،‬وما ُن ِسخ‬
      ‫بالذكر هنا ‪-‬وتحري ًرا لمحل‬         ‫المدرسة الفكرية التي تتبني‬                       ‫رسمه وبقي حكمه كآية الرجم‪،‬‬
  ‫النزاع‪ -‬كما يقول الأصوليون‪،‬‬          ‫الإسلام الحضاري أو إسلام‬                           ‫فقد نسخت الصياغة الأدبية إلى‬
  ‫فإن النسخ المتنازع على وجوده‬       ‫الأمة‪ ،‬وهذه المدرسة تنطلق من‬                         ‫صياغة أكثر بلاغة في حين بقي‬
 ‫أو عدمه ليس هو المعنى الواسع‬           ‫التراث وتبني عليه‪ ،‬لكنها لا‬                        ‫الحكم‪ ،‬وما ُن ِسخ حكمه وبقي‬
 ‫الفضفاض الذي كان معرو ًفا في‬          ‫تقدسه ولا تقف عند حدوده‪،‬‬                         ‫رسمه‪ ،‬وهو معظم ما هو موجود‬
  ‫القرن الأول الهجري‪ ،‬وهو نقل‬      ‫تحاول فهمه وهضمه ثم الوصول‬                            ‫في القرآن وأُلِّفت له كتب الناسخ‬
‫معني الآية أو تحويله من حال إلى‬       ‫من خلاله إلى صيغة حضارية‬                             ‫والمنسوخ فهو جزء من تاريخ‬
 ‫حال سواء بفهم مستجد تك َّشف‬            ‫لإعادة تشكيل الوعي المسلم‬                         ‫التشريع وتطور الوحي‪ ،‬الوحي‬
 ‫النص القرآني عنه أو بتخصيص‬               ‫من جهة‪ ،‬وعرض الإسلام‬
                                       ‫بوجهه الحضاري العالمي من‬                                  ‫للتعليم والتدبر والعظة‪.‬‬
    ‫العام أو تقييد المطلق أو بيان‬     ‫جهة أخري‪ .‬وقد ُعني ‪-‬رحمه‬                              ‫وهكذا نجد أن الدكتور حسن‬
 ‫المجمل أو عكس ذلك‪ ،‬وإنما محل‬          ‫الله‪ -‬في الشطر الأخير من‬                             ‫حنفي لا يدخل في صراع مع‬
                                    ‫حياته بالدراسات القرآنية عناية‬                       ‫التراث في تفاصيل أحكامه وإنما‬
   ‫النزاع في المعاني الاصطلاحية‬    ‫بالغة‪ ،‬وكان من اجتهاداته في هذا‬                         ‫يستخدمه ويتحرك من خلاله‪.‬‬
     ‫للنسخ التي وضعها الفقهاء‬         ‫المضمار الرفض القاطع للقول‬                             ‫وهو يقبل الناسخ والمنسوخ‬
                                                                                        ‫كنظرية معمول بها في فهم القرآن‬

                                                                                                        ‫وتأويله‪ ،‬لكن لا‬
                                                                                                          ‫باعتبارها أداة‬
                                                                                                         ‫لرفع التوتر أو‬
                                                                                                         ‫إزالة الإشكال‪،‬‬
                                                                                                        ‫وإنما باعتبارها‬
                                                                                                       ‫دلي ًل على التطور‬

                                                                                                            ‫والنضج في‬
                                                                                                        ‫مراحل التشريع‬
                                                                                                       ‫المختلفة‪ ،‬وهو ما‬
                                                                                                        ‫يتناوله باعتباره‬
                                                                                                         ‫مس ِّو ًغا لاعتبار‬
                                                                                                        ‫النسخ جز ًءا من‬
                                                                                                         ‫عملية مستمرة‬
   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159