Page 156 - merit 40 apr 2022
P. 156

‫يؤسس لهذه القيم‪ -‬لم ُيغفل‬            ‫حسن حنفي يقرأ الناسخ والمنسوخ‬
     ‫تناول جزئيات تنعكس عليها‬         ‫قراء ة تراثية متفحصة مدققة مستوعبة‬
 ‫تلك القيم والمقاصد‪ ،‬لكنه يتعامل‬
  ‫مع الواقع فيتفاعل معه متد ِّر ًجا‬        ‫للتفاصيل ثم يعيد صياغتها تفسيًرا‬
      ‫فيتصل به ويستوعبه‪ ،‬لكنه‬            ‫ليتحرك بها خطوة خطوة إلى هدفه‬
‫سرعان ما يتجاوزه إلى المستقبل‪.‬‬       ‫التجديدي من النقل إلى العقل‪ .‬ويتساءل‬
   ‫وعلي الرغم من التأكيد القاطع‬        ‫في هذا الإطار‪ :‬هل يجوز إذا ما تغيرت‬
     ‫لرفض النسخ والانطلاق من‬         ‫الظروف العودة إلى حكم المنسوخ دون‬
  ‫المنطلقات السابقة فإن العلواني‬          ‫الناسخ‪ ،‬مثل بعض المجتمعات التي‬
‫كشأنه في الكثير من كتاباته معني‬           ‫استشرى فيها شرب الخمور ويصعب‬
    ‫بالتقعيد والتأسيس‪ /‬التنظير‬
‫دون تفصيل بذكر أمثلة واستقراء‬                      ‫اقتلاعه عن طريق التحريم؟‬

          ‫يؤكد النظرية ويوثقها‪.‬‬       ‫الخطاب القرآني يبني‬                 ‫وتجاوزها‪ .‬وهو –هنا‪ -‬يشير إلى‬
     ‫فإذا كان حسن حنفي ف َّصل‬          ‫منظومة كاملة للقيم‬                   ‫أن الخطاب القرآني يتفاعل مع‬
      ‫وف َّصل في كتاباته فلم يترك‬                                          ‫المخاطبين مكا ًنا وزما ًنا دون أن‬
 ‫للقارئ سوى أن يتخذ موق ًفا من‬              ‫والمقاصد‬                         ‫يكون حبيس اللحظة الزمانية‬
‫أطروحاته مباشرة قبو ًل أو رف ًضا‬                                             ‫أو المكانية‪ ،‬بل ينطلق من هذا‬
‫أو تحلي ًل ونق ًدا أو حتى استكما ًل‬       ‫وهنا ينطلق العلواني منطل ًقا‬
 ‫لمسيرته في اتجاهات جديدة‪ ،‬فإن‬               ‫جدي ًدا في وضع منظومته‬       ‫التفاعل نحو تكوين رؤية شاملة‪،‬‬
    ‫كتابات العلواني كانت مركزة‬                                                 ‫فالقرآن في مواجهته للثقافة‬
 ‫تحتاج من القارئ أو ًل إلى تفكيك‬           ‫التفسيرية الشاملة للخطاب‬
    ‫وتفصيل‪ ،‬بل وربما إلى إعادة‬            ‫القرآني‪ ،‬والتي يصير رفض‬         ‫السائدة للمجتمع الجاهلي يشتبك‬
      ‫صياغة قبل النقد والمعالجة‪.‬‬        ‫النسخ أحد تجلياتها‪ ،‬فيرى أن‬         ‫مع التصورات والقيم لدى هذا‬
                                       ‫الخطاب القرآني يتجاوز الواقع‬
    ‫طرح جمال عمر‬                        ‫‪-‬بعد استيعابه‪ -‬لبناء منظومة‬      ‫المجتمع‪ ،‬ويخترق حصونه واحدة‬
                                          ‫ِق َيمية شاملة (القيم الحاكمة‬      ‫تلو الأخرى‪ ،‬وحينها قد تبدو‬
‫تعرض جمال عمر لقضية الناسخ‬                ‫العليا)‪ ،‬وهذه القيم هي التي‬        ‫للقارئ بعض التعارضات على‬
     ‫والمنسوخ في إطار حديثه عن‬          ‫تش ِّكل قاعدة الثوابت الراسخة‬
                                     ‫التي تم ِّكن البشرية من الاستجابة‬    ‫سطح الخطاب‪ ،‬هذه التعارضات‬
 ‫قضية توتر القرآن‪ ،‬وهي القضية‬                                               ‫لا تن ُّم إلا عن طبيعة المجاوزات‬
  ‫التي لم يضع لها تعري ًفا محد ًدا‬          ‫لحاجاتها التشريعية مهما‬          ‫المرحلية التي يمر بها الخطاب‬
                                     ‫اختلفت البيئات وتنوعت الثقافات‬      ‫وهو يشق طريقه حام ًل المعنى إلى‬
 ‫يمكن لقارئ الكتاب الرجوع إليه‪،‬‬        ‫والحضارات‪ ،‬وهذا الخطاب ‪-‬إذ‬          ‫عقل المخاطب ونفسه ووجدانه‪.‬‬
   ‫ذلك أنه يرى أن المعنى ذاته في‬
    ‫تطور دائم وفق نضج القارئ‬
    ‫واتساع مفهومه لمعني التوتر‪،‬‬
  ‫لكن ‪-‬وبشكل عام‪ -‬فإن التوتر‬
      ‫وفق ما يشير إليه مضمون‬

  ‫الكتاب هو‪ :‬تردد الآيات القرآنية‬
   ‫في مواضع مختلفة بين معاني‬

  ‫يغلب عليها التضاد أو التناقض‪،‬‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161