Page 155 - merit 40 apr 2022
P. 155

‫‪153‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

‫القرآني معادل لحركة الكون‪ ،‬وأن‬          ‫وبالتالي فإن العلواني ‪-‬رحمه‬      ‫والأصوليين وعلماء القرآن‬
   ‫التوجيه الإلهي بالقراءة „اقرأ“‬       ‫الله‪ -‬يري أن المشكلة تكمن في‬
   ‫تشتمل على نوعين من القراءة‪:‬‬         ‫أن المجتهد‪ /‬الفقيه‪ /‬المفسر نقل‬    ‫وف َّصلوا فيها وألفوا من أجلها‬
                                         ‫إشكالية وقوع التعارض بين‬        ‫الكتب المعروفة‪ ،‬والمنطلق الذي‬
‫„اقرأ باسم ربك الذي خلق“ فهي‬
   ‫قراءة باسم الله الخالق‪ ،‬بحيث‬           ‫نصوص القرآن في ذهنه هو‬         ‫ينطلق منه العلواني في رفضه‬
                                       ‫إلى إشكالية في النصوص ذاتها‪،‬‬
‫يكون القرآن هو الهادي في قراءة‬       ‫وبالتالي فقد عمل جهده على إزالة‬     ‫لنظرية النسخ في القرآن هو‪ :‬كون‬
     ‫هذا الكون‪ ،‬ف ُيف َهم كل منهما‬   ‫هذا الإشكال القائم في النص ‪-‬من‬
                                      ‫وجهة نظره‪ -‬تقدي ًسا للنص من‬        ‫القول بالنسخ منافيًا لخصائص‬
  ‫بالآخر‪ ،‬وينعكس فهم كل منهما‬        ‫وقوع التعارض من ناحية ودفا ًعا‬      ‫الخطاب القرآني ذاته‪.‬‬
 ‫على الآخر‪ .‬وقراءة يقود الإنسا ُن‬
                                                ‫عنه من ناحية أخرى‪.‬‬       ‫وللوصول إلى هذه النتيجة فإنه‬
      ‫فيها ك َّل ما تراكم من علوم‬    ‫وكون الخطاب القرآني مو َّجه إلى‬     ‫يفنّد حجج القائلين بوجود النسخ‬
   ‫ومعارف وخبرات‪ ،‬فلا تتبعثر‬
  ‫جهود البشرية ولا تضيع هباء‪.‬‬          ‫بشر مستخلفين في الكون‪ ،‬وفي‬        ‫في القرآن الكريم ويبطل أدلتهم‪،‬‬
     ‫وبالتالي فإن العلواني ينطلق‬         ‫واقع محدد في زمانه ومكانه‪،‬‬
  ‫من هاتين الركيزتين من ركائز‬              ‫وأن ما يصلح لزمان قد لا‬       ‫وأهمها آية سورة البقرة „ َما‬
‫خصائص الخطاب القرآني ليقرر‬               ‫يصلح لآخر وما يصلح لمكان‬        ‫َُنتنْع َلِسْم َه َأا َّنَن ْأا ِلتَّ َل ِب َ َعخَ ْٰيل ٍر‬  ‫َأَأ َ ْوْل‬  ‫َنن َس ْخ ِم ْن آ َي ٍة‬
                                                                                                                                                  ‫ِّم ْن َها َأ ْو ِم ْثلِ َها‬
     ‫أن القرآن معادل موضوعي‬            ‫قد لا يصلح لآخر ليس مس ِّو ًغا‬    ‫ُك ِّل َش ْي ٍء َق ِدي ٌر“ (‪ ،)106‬إذ إن‬
  ‫للكون وحركته ومستوعب لها‪،‬‬            ‫‪-‬عند العلواني‪ -‬للقول بالنسخ‪،‬‬      ‫سياق الآيات يتحدث عن نسخ‬

      ‫فهو لا يتعلق تعل ًقا مباش ًرا‬        ‫ذلك أن الواقع بكل مر َّكباته‬  ‫الإسلام كدين خاتم لليهودية‬
   ‫وتا ًّما بأية إشكالية جزئية‪ ،‬بل‬    ‫الزمانية والمكانية والبيئية بشكل‬
    ‫يستوعبها ويتجاوزها‪ .‬ويري‬                                             ‫كديانة محلية أو قومية انتهت‬
    ‫أن نشوء نظرية النسخ نتيجة‬              ‫عام محكو ٌم بالجعل الإلهي‬
  ‫الوقوف عند مرحلة الاستيعاب‬         ‫والسنن الإلهية ومنها الصيرورة‬       ‫مهمتها وحان وقت استبدالها‬
    ‫للقضايا الجزئية وعدم إدراك‬
‫مرحلة التجاوز‪ ،‬فالخطاب القرآني‬           ‫التاريخية‪ .‬ويري العلواني أن‬     ‫بغيرها‪ ،‬وليس نسخ آيات القرآن‬
                                     ‫الخطاب القرآني‪ ،‬كلام الله تعالي‪،‬‬
      ‫لا يسكن الجزئي (الزماني‬         ‫مطلق ومتح ٍّد به‪ ،‬وهو خطاب لا‬      ‫بعضها لبعض‪ ،‬ويمضي في كتابه‬
 ‫والمكانى) وإنما يمر عليه بمقدار‬
  ‫ما يلقي ضو ًءا بين يدي المجتهد‬         ‫يأتيه الباطل من بين يديه ولا‬    ‫مفنِّ ًدا هذه الأدلة واحدة تلو‬
 ‫يساعده على الفهم‪ ،‬ثم ينطلق إلى‬           ‫من خلفه‪ .‬ومع أن هذا القدر‬                                                                               ‫الأخر‪.‬‬
                                     ‫متف ٌق عليه عند القائلين بضرورة‬
      ‫غايته الممتدة إلى يوم الدين‪.‬‬      ‫النسخ‪ ،‬إلا أن من تجلياته عند‬     ‫وإذا كانت القضية الأساسية في‬

 ‫قدرة الخطاب القرآني‬                                       ‫العلواني‪:‬‬     ‫نشوء نظرية النسخ هو التعارض‬
‫على الانفتاح على حركة‬                   ‫الوحدة البنائية للقرآن الكريم‪:‬‬
                                         ‫التي تجعل من القرآن الكريم‬      ‫القائم في ذهن القارئ‪ /‬المجتهد‬
        ‫الزمان‬                         ‫مع تعدد سوره وآياته كالكلمة‬
                                      ‫الواحدة‪ ،‬ويعتبر أن هذه الوحدة‬      ‫وهو ينظر في دليلين‪ /‬حكمين‪/‬‬
 ‫ومن هذه الخصائص التي يعتمد‬             ‫البنائية تحيل إمكانية قيام أي‬
‫عليها العلواني في نفي النسخ عن‬         ‫تعارض أو تناقض أو تمانع أو‬        ‫معنيين لا يمكن الجمع أو التوفيق‬
‫القرآن‪ :‬أن الخطاب القرآني منفتح‬
 ‫على حركة الزمان‪ ،‬وأنه ذو قدرة‬               ‫معاندة بين آيات القرآن‪.‬‬     ‫بينهما‪ .‬فإن العلواني يرى أن هذه‬
 ‫خارقة على استيعاب تلك الحركة‬            ‫الجمع بين القراءتين‪ :‬وهو ما‬
                                         ‫يعني به العلواني أن الخطاب‬      ‫القضية تتعلق بأدوات المجتهد‬

                                                                         ‫ووسائله المنهجية التي يستخدمها‬

                                                                         ‫في التعامل مع النص‪ ،‬فإذا كانت‬

                                                                         ‫وسائله قاصرة عن إدراك معاني‬

                                                                         ‫النصوص في سياقاتها الكلية‬

                                                                         ‫والجزئية‪ ،‬فذلك يعني ‪-‬عند‬

                                                                         ‫العلواني‪ -‬أن على المجتهد أن يعيد‬

                                                                         ‫النظر في تلك الوسائل والأدوات‬

                                                                         ‫المنهجية‪ ،‬وليس له أن يعالج‬
                                                                         ‫إشكاليته الذهنية بالتح ُّكم في‬

                                                                                                                                                  ‫النص‪.‬‬
   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160