Page 270 - merit 40 apr 2022
P. 270

‫العـدد ‪40‬‬                             ‫‪268‬‬

                                    ‫أبريل ‪٢٠٢2‬‬

‫رواية «روح»‬

‫لمحمد على إبراهيم‪..‬‬
                                                                ‫فكري عمر‬
         ‫حكايتان عن‬

‫الزمن‪ ،‬والأبدية‬

‫حيرة كل فرد على ِحده أثناء رحلة‬          ‫الفردي؟ َح َوت بش ًرا آخرين‪،‬‬     ‫بداية‪ ..‬وكلمة «بداية» هنا ليست‬
 ‫اغترابه الوجودي في العالم حيث‬           ‫وحضارا ٍت تنمو‪ ،‬وتشب‪ ،‬ثم‬
 ‫يعيش‪ ،‬ويعاني‪ ،‬وينتظر‪ ..‬يحدث‬                                              ‫إلا مجا ًزا؛ للإمساك بزمن ُمراوغ‪.‬‬
 ‫كل ذلك بضربات فنية هي مزي ٌج‬                      ‫تشيخ‪ ،‬وتتهاوى‪.‬‬                ‫يمر أحيا ًنا كشهاب ُمنطلق‪،‬‬
‫من اللعب بالزمن‪ ،‬وكسر الإيهام‪،‬‬           ‫إلى أين سيذهب الإنسان بعد‬
  ‫وتجاور الفنون؛ لتكوين صورة‬            ‫رحيله؟ تقول بعض المعتقدات‬         ‫ويخطو أحيا ًنا كسلحفاة على مهل‪.‬‬
    ‫تقريبية عن رحلة الإنسان في‬                                              ‫إنها ليست كلمة استهلال دقيقة‬
             ‫الزمن نحو الأبدية‪.‬‬           ‫والفلسفات إن وجودنا على‬           ‫إلا من حيث الشكل‪ .‬أما بالنسبة‬
                                         ‫الأرض فرصة نادرة أُتيحت‬             ‫لجوهر معناها فلا‪ .‬إنك ما تكاد‬
         ‫***‬                            ‫لنا بتوافق آلاف الأشياء م ًعا‪،‬‬
                                    ‫وعلينا أن نعيشها دون أن ُيرهقنا‬       ‫تفكر فيها حتى تفلت منك اللحظة‪،‬‬
  ‫اللعب بالزمن يتجسد روائيًّا في‬     ‫التفكير في المآل‪ ،‬فليس ثمة شيء‬            ‫لتبدأ لحظة جديدة‪ .‬هل يمكن‬
 ‫الكتاب الذي عثر عليه الراوي‪ ،‬إذ‬       ‫وراء انطفاء الوعي سوى ُظلمة‬            ‫تثبيت الزمن عند بداية ما؟ لا‪.‬‬
                                    ‫سرمدية‪ .‬وتقول معتقدات‪ ،‬وأديان‬               ‫هل يمكن أن يحدث العكس‪،‬‬
  ‫يحكي هذا الأثر عن أهل الجنة‪،‬‬        ‫أخرى إنه لن يفلت من الحساب‬
   ‫والأعراف‪ ،‬والنار بعدما انتهي‬     ‫أح ٌد من الناس بعد الموت؛ لأن هذا‬      ‫نقلب الساعات‪ ،‬لتدور إلى الوراء‪،‬‬
‫حساب الآخرة على ألسنة المقيمين‬       ‫هو العدل المُطلق (غاية الوجود)‪..‬‬       ‫فننطلق من الموت إلى الشيخوخة‬
 ‫فيها‪ .‬هنا زم ٌن معكو ٌس‪ ،‬ومقاربة‬      ‫إن كنت شري ًرا في حياتك الدنيا‬
‫مخاتلة تحتاج إلى بصيرة التأويل‪.‬‬     ‫ُتجازى‪ ،‬وإن كنت َخيِّ ًرا تكافأ‪ .‬وإن‬        ‫فالكهولة فالشباب فالطفولة‬
   ‫أما الإيهام بالحقيقة في الرواية‬   ‫كنت مترد ًدا بين هذا وذاك‪ ،‬فإنك‬       ‫فالرحم؟ المشاهدات اليومية أي ًضا‬
   ‫فيبدو بأكثر من طريقة‪ :‬الأولى‬        ‫تقضي (الخلود) ُمعل ًقا بينهما‪.‬‬
  ‫في الكتاب الذي تتكون صفحاته‬       ‫الأسئلة التي تثيرها رواية «روح‪..‬‬         ‫تقول «لا»‪ .‬صحي ٌح أن مسيرتنا‬
    ‫من جلود آدمية متساقطة عن‬            ‫كتا ُب من رأى لمن لن يصدق»‬          ‫البشرية‪ ،‬بل مسيرة كل ُمتحر ٍك‬
 ‫أجساد المعذبين في الجحيم‪ ،‬وقد‬       ‫لـ»محمد علي إبراهيم»‪ ،‬الصادرة‬         ‫وكل ح ٍّي‪ ،‬رهينة بين ُدفتي كتاب‬
    ‫ُخطت رسومه بواسطة الناب‬          ‫عن دار تبارك ‪ 2021‬كثيرة‪ ،‬أكثر‬        ‫الموت‪ ،‬ما قبل الوجود على الأرض‬
‫الأيسر لامرأة اسمها «روح»؛ لأنه‬      ‫مما يمكن حصره‪ .‬هي تساؤلات‬
                                         ‫البشرية عبر الأزمنة‪ ،‬وكذلك‬             ‫وما بعد انفصال الروح عن‬
                                                                          ‫الجسد‪ ،‬لكن حدوث هذا الانعكاس‬

                                                                              ‫الزمني مستحي ٌل حتى اللحظة‬
                                                                             ‫سوى في القصص الفلسفية‪ ،‬أو‬

                                                                                                 ‫الخيالية‪.‬‬
                                                                             ‫ماذا َح َوت الأرض قبل وجودنا‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275