Page 28 - merit 40 apr 2022
P. 28

‫المراقب المستقبل للمادة النقدية قديمها‬              ‫العملية النقدية عند مصطفى ناصف حالة‬
‫وحديثها استقبال المستوعب المفند‪ ،‬المجاوز‬                 ‫تستوعب وتتشبع بما يحمله الماضي‪ ،‬ولا‬

  ‫لها الساعي إلى تقديم رؤية تبدو جامعة‬

‫مانعة‪ ،‬تجعل من مسألة اللفظ والمعنى قدي ًما‬              ‫تذوب في الحاضر وما يفد فيه من قيم كان‬
     ‫أو الشكل والمضمون أو الدال والمدلول‬                    ‫لها مريدون ومؤيدون ومروجون ترجم ًة‬
   ‫أو الصياغة والتأويل في زماننا المعاصر‬

 ‫هي الطريق الملائم للناقد‪ ،‬والمنسجم مع‬                  ‫وتظيًرا وتطبي ًقا؛ إننا بصدد شخصية حاولت‬
‫طبيعة اللغة عمو ًما وما يتشكل بواسطتها‬                    ‫بنشاطها التدريسي والإشرافي (الإشراف‬

   ‫من نصوص؛ فالقيم الجمالية المرتبطة‬

‫بما ينطوي عليه النص من صياغة سبيل‬                       ‫على رسائل الماجستير والدكتوراة) تقديم‬

 ‫لإدراك ما يحظى به النص من خصوصية‬                       ‫منجز تأليفي يضعها في موقع وسط‬
‫بإزاء غيره من نصوص بالنسبة إلى الكاتب‬

‫نفسه وبالنسبة إلى غيره ممن يشاركونه‬                     ‫مستوعب لما في التراث ووا ٍع لما يحمله‬
           ‫المجال نفسه الذي يكتب فيه‪.‬‬                             ‫الحاضر من نظريات ومفاهيم‪.‬‬

  ‫لكن هذه الخصوصية تبقى وسيل ًة إلى‬

‫غاية منشودة هي المعنى الذي به يرتقي‬

‫الناقد بدرره وبالنص المقروء ‪-‬في الوقت‬

  ‫ذاته‪ -‬عتبة الرصد المؤسس على الوصف‬                     ‫هما‪ :‬نقد الحداثة‪ ،‬ونقد ما بعد الحداثة؛ إن مخرجات‬
‫الظاهري‪ ،‬إلى عتبة الاستكشاف‪ ،‬ومع الاستكشاف‬                  ‫الوعي بالنقد عند مصطفى ناصف تتجاوز هذه‬
                                                           ‫الصرامة في الطرح التي جعلت الاهتمام بالشكل‬
  ‫تتبين بجلاء طبيعة الناقد ودوره السامي المتمثل‬
‫في الحكم على النص‪ ،‬بعد أن قرأ عناصره المكونة له‬          ‫معيا ًرا للتصنيف وللمعالجة؛ فالناقد الشكلاني هو‬
 ‫وميز فيما بينها؛ هنا نستطيع أن نقول إننا بصدد‬          ‫ذاك المنكفئ على النص في تجليه الظاهر وما يتركب‬
                                                        ‫منه من عناصر بينها علاقات؛ كما يبدو في البنيوية‬
    ‫محاولة صياغة معيارية حاكمة تتصل بطبيعة‬                ‫وجانب مما يسمى بالدرس الأسلوبي‪ ،‬تلك الحالة‬
   ‫المعنى وبمستواه‪ ،‬وبالمنطلق الخاص بالناقد عند‬
 ‫تدشينه لرؤيته الخاصة إزاء النص وقيمه الدلالية‬             ‫التي تم تجاوزها فيما بعد مع البنيوية التكوينية‬
                                                         ‫والتفكيكية ونظريات التلقي وقراءة النصوص وما‬
                                    ‫المتصلة به‪.‬‬
  ‫وفي زخم محاولة الوقوف على محددات تتأسس‬                    ‫يسمى بالسيميائية‪ ،‬والنقد الثقافي‪ ،‬لنجد أنفسنا‬
  ‫عليها هذه المعيارية نجد مصطفى ناصف مطال ًعا‬                           ‫أمام ناقد في طور ما بعد الحداثة‪.‬‬

     ‫ومتجو ًل بالقارئ لمؤلفاته بين حقول معرفية‬            ‫إن ثياب الناقد التي ارتداها مصطفى ناصف التي‬
        ‫متنوعة تعكس إلما ًما واقترا ًبا ونظ ًرا مرحبًا‬   ‫جعلت للمجهود النظري في التأليف النصيب الأوفر‬
                                                         ‫والأكبر من إسهاماتها لا يمكن أن نضعها في خانة‬
    ‫ومنفت ًحا؛ فنراه يتوقف عند البلاغة العربية في‬
   ‫تشكلها التراثي وفي إعادة تقديمها بهيئة تواكب‬
‫محددة ثابتة جامدة في ضوء المسار الأفقي الثلاثي ركب التغير‪ ،‬ونراه يتوقف أمام النحو العربي‬
                                                        ‫للعملية النقدية عمو ًما‪ ،‬التي يمكن مطالعتها في‬
‫ودوره في الصياغة وفي تبيان المعنى الذي يحتاج‬            ‫هذه اللافتات الثلاثة‪ :‬ما يسمى بالنقد التقليدي‪،‬‬

‫إلى استدراك‪ ،‬بالاستعانة بحقول أخرى كالفلسفة‬             ‫وما يسمى بنقد الحداثة‪ ،‬وما يسمى بنقد ما بعد‬

‫التي تمثل الخلفية أو الظهير المعرفي للعملية النقدية‬     ‫الحداثة؛ إن أفق القراءة المفتوح وعدم التخندق أو‬

‫في شقها التراثي‪ ،‬منذ العصر العباسي وفي تجليها‬           ‫التعصب والتجمد عند طرح بعينه يتيح لمصطفى‬

‫الحداثي وما بعد الحداثي؛ ومن ثم فإن وضعية‬               ‫ناصف موق ًعا وس ًطا يجعله أقرب إلى المحايد‬

‫الحاكم على المادة المقروءة من قبل الناقد مسألة لا‬
   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33