Page 33 - merit 40 apr 2022
P. 33
31 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ومن ثم ،يطرح ناصف الحوار
آداة لتأويل النثر مرتك ًزا في
ذلك على فهمه لطبيعة الأدب،
بما يحمله من فتح للعالم من
حولنا ،وكشف عن الظاهرة
اللغوية كما تتبدى لوعي
القارئ .فمن خلاله ُيتاح
تواص ًل مع اللغة ،وينفتح
أفق رحب حين تتحول الدوال
من دلالاتها الحسية إلى قيمة
إنسانية .تحاول فهم العالم من
حولنا.
وليس المقصود -فيما أرى-
من محاورة النثر العربي
البحث عن قصدية للنثر،
أبو حيان التوحيدي أبو العلاء المعري الجاحظ بل مساهمة التأويل نفسه
وظروف المؤول في صناعة
التي يحملها النص وإعادة قراءتها قراءة ثانية النثر ،أو -بعبارة أرى أنها أكثر دقة -في أعادة
مغايرة لما هو سائد فحسب ،بل هي السماح لها عن
اكتشافه ،وقدرته على المساهمة في فهم الأساليب
طريق مجادلتها لتغير أساليبنا الثقافية المعاصرة.
المحاورات -فيما أرى -محاولة للخلاص من تقاليد السائدة وإعادة تشكيلها .يستنطق ناصف النثر
سائدة ،ففن فهم تقاليد معينة لا تفترض فقط العربي في محاوراته ويسمح أن يجادل السائد من
التعرف على هذه الأعمال ،بل تذهب أبعد من ذلك
لتشكيل انتقالها الإنتاجي ،ووف ًقا لرؤية جادامر: أساليب الكتابة المعاصرة يقول ناصف« :النص
«فالتقاليد ليست امتيا ًزا لثقافة ما ،حيث إن الحوار
صوت إنسان يحدثك من الماضي ،ويأخذ مكانه
بين الثقافات وكذلك الحوار بين ماضينا يمتد
وراء حدود معطاة ،لأن الحوار فهم اتصالي بين بجانبك في هذا الزمان .هناك نصوص كتبت
هذه الثقافات ،بحث عن أرضية مشتركة للحياة
بأساليب لا تشبه أساليبنا في التفكير الآن .لكن
الإنسانية التي نحتاجها للمشاركة»(.)11
محاورات مع النثر العربي فيما أفهم محاولة أساليبنا المعاصرة لا تستعبدنا .إننا نستطيع أن
للكشف عن شخصية المثقف العربي حين يتخذ من
اللغوي أداة إلى الرفض والسخرية والتساؤل ،تضع نجعل من نصوص النثر العربي أداة لمحاورة هذه
أساليب الكتاب تحت المجهر ،بحثًا ع َّما يختفي خلفها
من مكابدة ،وجدل «لقد خيل إلينا أن فكرة التقاليد الأساليب»(.)10
أو الأساليب يمكن أن تقضي على النبرة الشخصية.
وهنا تصبح علاقتنا بالنثر كموروث علاقة تطبيق
وهذا ما قلت إنه نمط من سوء الظن»(.)12
يحاور ناصف نصو ًصا طالما وصفت بالغرابة قضايا ومسائل على اللحظة الراهنة ،وفق عقل
وغلبة البديع عليها ،فيصغي إليها طار ًحا أسئلته
نقدي ووعي تاريخي ،وليس التطبيق بأية حال
إجرا ًء لاح ًقا للفهم ،بل اندماج مع الحقائق المتكشفة
والمنتجة في الحاضر ،وصلب ذلك هو الحوار.
اتخاذ المحاورة أداة لتأويل النثر عند ناصف تساهم
-فيما أرى -في وضع ما هو مغترب سواء في
صورة مكتوبة أو في صورة تباعد ثقافي وتاريخي
في قالب يجعله قاد ًرا على أن يتحدث إلينا ،ليس فقط
بشكل أوضح ،بمعنى أن تأويلية النثر هنا ليست
من قبيل إلقاء الضوء على بعض الجوانب الثقافية