Page 205 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 205

‫‪203‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

 ‫إبان القرون المسيحية الأولي‪،‬‬         ‫بينهما نفسيًّا وجسد ًّيا؟ وما‬       ‫ويري جورجي جاتشف‬
     ‫وجدير بالذكر أن نظرية‬           ‫هي الرسالة الثقافية الموجهة‬          ‫أن التناقضات في مفاهيم‬
                                      ‫للإناث والتي تشكل وعيهن‬          ‫المجتمعات وثقافتها موجودة‬
   ‫أرسطو عن المرأة كانت من‬                                            ‫دو ًما وحاضرة‪ ،‬بيد أن الفرق‬
   ‫الخطورة للحد أنها ترددت‬                ‫وسلوكهن طيلة الوقت؟‬              ‫بين مجتمعاتنا الشرقية‬
                                     ‫وعلاقة هذه الرسالة بما جاء‬      ‫والغربية‪ ،‬هي سعي المجتمعات‬
      ‫بعد ذلك بكثرة في تراثنا‬       ‫في الثقافات القديمة من سمات‬            ‫الغربية دو ًما وطموحها‬
    ‫العربي‪ ،‬ربما لأنها وجدت‬          ‫وصفات هي في أغلبها سلبية‬        ‫اللانهائي نحو بلوغ وحدة هذه‬
   ‫أر ًضا خصبة مهيأة لتقبلها‬
 ‫بما تحتوي من آراء مماثلة لا‬           ‫ولاسيما الثقافة اليونانية؟‬                    ‫المتناقضات‪.‬‬
                                       ‫فبالرغم من الأساطير التي‬          ‫وفي الوقت الذي تزداد في‬
      ‫ينقصها سوى التنظير‪.‬‬           ‫تقال عن الرجل الشرقي والتي‬        ‫مجتمعاتنا الشرقية الهوة بين‬
    ‫ولعله جدير بالذكر أن هذا‬        ‫تتعلق بمفاهيم الرجولة‪ ،‬إلا أن‬       ‫هذه المتناقضات للحد الذي‬
   ‫المقال صادف كتابته أحدا ًثا‬        ‫الدراسات المجتمعية الدولية‬         ‫يبدو في كثير من الأحايين‬
   ‫متواترة في واقعنا المصري‪،‬‬            ‫تثبت أن الرجل الغربي في‬       ‫أشبه بحالة انفصام مستمرة‬
  ‫كحوادث تحرش أو اغتصاب‬               ‫المجتمع الحديث ساند كثي ًرا‬        ‫لعقود طويلة‪ ،‬انعكس هذا‬
‫أو اقتراح بتعديلات في قوانين‬            ‫قضايا تحرر المرأة‪ ،‬وترى‬          ‫الفصام على المرأة‪ ،‬ليس في‬
    ‫الأحوال الشخصية تعكس‬                                                  ‫المجتمع والواقع فحسب‪،‬‬
‫نظر ًة وتقدي ًرا متدنيًا ومستهينًا‬       ‫سوزان موللر في دراسة‬        ‫ولكن في كافة صنوف النشاط‬
‫بوجود المرأة وحقوقها‪ ،‬وتؤكد‬            ‫لها بعنوان النساء في الفكر‬       ‫البشري وعلي رأسه الإبداع‬
 ‫على سلوك المجتمع الشعوري‬             ‫السياسي الغربي‪ ،‬أن جدارة‬            ‫بأنواعه كالكتابة والرسم‬
     ‫واللاشعوري المستمر في‬             ‫الرجل الغربي تكمن في أنه‬       ‫والتصوير والأفلام إلخ‪ ،‬نظ ًرا‬
‫هضم حقوقها‪ ،‬وتجتر مفاهيم‬              ‫استطاع التخلص من الميول‬          ‫للعلاقة التبادلية الوثيقة بين‬
   ‫أرسطو القديمة التي أشرنا‬           ‫الذكورية في الثقافة الغربية‪،‬‬      ‫الواقع والإبداع‪ ،‬فالفن يعيد‬
 ‫لأثرها الخطر والتي لا تدخل‬            ‫والتي تضرب بجذورها في‬            ‫تكوين المعرفة البشرية‪ ،‬بيد‬
                                       ‫التاريخ‪ ،‬والتي كانت تتمثل‬       ‫أنه في أغلب أشكاله ومحتواه‬
     ‫فيها كلمة (امرأة) ضمن‬             ‫في كراهية الإغريق للنساء‪،‬‬          ‫يجعل الرجل معيا ًرا لأي‬
‫مفهوم الإنسان كما يتصورها‬            ‫فلخص أفلاطون وضع المرأة‬           ‫مجتمع في الوقت الذي تعتبر‬
                                        ‫في الثقافة اليونانية وقننه‬      ‫المرأة راعية أصيلة له سواء‬
  ‫المعلم الأول‪ ،‬والذي استخدم‬                                              ‫كان هذا المجتمع قدي ًما أو‬
      ‫بد ًل منها كلمة (الموجود‬            ‫أرسطو الذي نعت المرأة‬
                                     ‫بالرجل الناقص‪ ،‬وبذل جه ًدا‬                ‫حديثًا أو معاص ًرا‪.‬‬
   ‫البشرى)‪ ،‬كما صادف وفاة‬              ‫كبي ًرا ليضع نظرية فلسفية‬         ‫ولكن قبل التطرق للإبداع‬
      ‫الكاتبة النسوية الكبيرة‬                                             ‫والعلاقة التبادلية الوثيقة‬
                                         ‫عن المرأة يستمد دعامتها‬       ‫بينه وبين المجتمع ومحاولة‬
   ‫نوال السعداوي في الحادي‬              ‫الأساسية من الميتافيزيقا‪،‬‬      ‫الوقوف على درجة تأثير كل‬
 ‫والعشرين من مارس ‪،2021‬‬                  ‫ثم راح يطبقها في ميدان‬          ‫منهما في الأخر‪ ،‬ينبغي أن‬
                                       ‫التكنولوجيا أو ًل والأخلاق‬        ‫نسأل‪ ،‬لماذا يطال التهميش‬
      ‫تلك السيدة التي أحدثت‬             ‫السياسية بعد ذلك‪ ،‬ليثبت‬          ‫المرأة أكثر من الرجل؟ وما‬
  ‫حياتها وأفكارها جد ًل كبي ًرا‬      ‫فلسفيًّا صحة الوضع المتدني‬           ‫الذي أقرته الأبحاث حول‬
  ‫مثلما فعلت وفاتها‪ ،‬فهي من‬              ‫للمرأة الذي وضعتها فيه‬          ‫الذكر والأنثي والاختلاف‬
 ‫القليلات اللائي تعلمن تمزيق‬           ‫العادات والتقاليد اليونانية‪،‬‬
                                        ‫فض ًل عن الوضع المتدني‬
    ‫العدم‪ ،‬وتخلصن من عبء‬              ‫للنساء في المجتمعات الغربية‬
   ‫المرواغة والتخفي بيد أنهن‬
 ‫دفعن أثما ًنا جد غالية‪ ،‬فالمرأة‬
  ‫المفكرة أو المبدعة بشكل عام‬
 ‫وفي مجتمعاتنا بشكل خاص‪،‬‬
   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210