Page 27 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 27

‫‪25‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

   ‫وما إن ه ّم إدريس باستئذانه‪ ،‬فإذا بطه حسين‬             ‫بلاشير‪ ،‬وليس بين الشركاء حساب‪ ،‬وكله في‬
                            ‫يطلب فريد شحاته‪:‬‬                            ‫خدمة الاستشراق»‪( .‬ص ‪)32‬‬

       ‫‪ -‬فريد أعد للأستاذ سهيل أمانته القديمة!‬        ‫لا يوجد شاهد على صدق أو كذب هذه الادعاءات‪،‬‬
 ‫يستمر إدريس في شرح الحادثة قائ ًل‪ »:‬فلم أفهم‬         ‫إ ّل صاحبها‪ ،‬لكن ما جاء في شهادة سهيل إدريس‬
‫ما قصده‪ ،‬إلى أن استخرج سكرتيره مغل ًفا فتحته‪،‬‬         ‫صاحب مجلة الآداب‪ ،‬يدحض مثل هذه الادعاءات‪،‬‬
 ‫والأمر ملتبس عليّ‪ ،‬فعرفت فيه مخطوطة ترجمة‬            ‫فسهيل إدريس يحكي في مقالة له نشرها في مجلة‬
                                                      ‫الآداب بعنوان «ذكريات مع طه حسين» بتاريخ ‪1‬‬
                                 ‫«مولن الكبير»‪.‬‬       ‫مارس ‪ ،1974‬أنه من فرط تأثير ما أحدثته رواية‬
                                                       ‫«الأيام» لطه حسين‪ ،‬سلك ذات الطريق الأزهري‪،‬‬
    ‫‪ -‬قال الدكتور وهو يبتسم ابتسامته الهادئة‪:‬‬          ‫فالتحق بمعهد ديني وهو في سن الحادية عشرة‬

  ‫‪« -‬إنني احتفظ بها منذ أكثر من عشر سنوات‪،‬‬              ‫من عمره‪ ،‬كي يعيش التجربة كما عاشها الفتى‪،‬‬
                                                      ‫وأ ْن ُيعاني ظروفها ومؤثراتها‪ ،‬بل إ ّنه اقتفى أثره‬
‫ولعلك نسيتها‪ ،‬أو ظننت أنها ضاعت‪ ،‬لا يا أستاذ‪،‬‬          ‫في الرحلة إلى فرنسا‪ ،‬كما كان الأصل في اعتزامه‬
                                                        ‫على إنشاء مجلة الآداب وهو في باريس «أم ًل أن‬
‫إننا لا نضيّع جهود الأدباء!»‪( .‬مجلة الآداب‪ :‬عدد‬        ‫تحل محل مجلة الكاتب التي كان يرأس تحريرها‬
                           ‫مارس ‪ ،1974‬ص‪)3‬‬
                                                                                 ‫طه حسين وأغلقت»‪.‬‬
‫هذه شهادة براءة طه حسين مما طاله من تشويه‬                 ‫إ ّل أ ّن التأثير الج ّل أنه عزم على ترجمة رواية‬
 ‫لأسباب ربما كان هو سببها‪ ،‬تتمثّل في عنفه (أو‬              ‫وهو في الرابعة عشر‪ ،‬بعنوان «مولن الكبير»‬

  ‫قسوته) المبالغ فيه على تلاميذه وأصدقائه‪ .‬لكن‬               ‫لإلين‪ -‬فورنيه‪ ،‬وقد بذل مجهو ًدا كبي ًرا في‬
                                                         ‫ترجمتها وتنقيحها‪ ،‬وما إن فرغ من ذلك حتى‬
    ‫نحتاج إلى إجابة لسؤال لماذا صمت َمن طالهم‬            ‫أرسلها لمجلة الكاتب التي كان يرأس تحريرها‬
     ‫التشويه؟ ولماذا لم يدافع أحد من تلاميذ طه‬            ‫طه حسين‪ ،‬وكانت المفاجأة أن طه حسين َقبِ َل‬
                                                        ‫الموافقة على نشرها‪ ،‬لكن تو ُّقف المجلة حا َل دون‬
  ‫حسين عنه؟ لا دفا ًعا عن الشخص‪ ،‬بقدر ما هو‬
                                ‫دافع عن القيمة!‬            ‫ذلك‪ .‬وم ّرت الأيام والتقى سهيل إدريس طه‬
                                                        ‫حسين في القاهرة عام ‪ ،1955‬لمناسبة حضرها‬
   ‫مواقف طه حسين المُ َعنِّ َفة (في كثير منها) بقدر‬   ‫وقتذاك‪ .‬ووصف مشهد اللّقاء كما ص ّوره إدريس‬
  ‫ما هي انعكاس لسياقات وظروف العصر الذي‬                  ‫يكشف عن المهابة التي ُيلقيها طه على ُمجالِسه‬
                                                        ‫هكذا‪« :‬وحين دخلت على الدكتور طه حسين في‬
‫حدث ْت فيه ‪-‬فالعصر نفسه كان زخ ًما بالسجالات‬           ‫غرفة مكتبه‪ ،‬كان جسمي يرتعش تهيّبًا‪ ،‬وزادتني‬
    ‫والمعارك الأدبيّة المثمرة‪ -‬إلا أن الشيء المؤ ّكد‬    ‫رهبة المجلدات التي كانت تكسو جدران مكتبته‪،‬‬
    ‫أن طه حسين في كثير منها تراجع وب ّدل رأيه‬            ‫وأشعرتني بأني لن أبلغ‪ ،‬مهما بذلت من جهد‪،‬‬
     ‫فيما قال‪ ،‬وهو ما ُيعطي قيم ًة لمعنى التراجع‬
                                                            ‫ما كان لهذا الرجل الجبّار قد بلغه من ثقاقة‬
 ‫والعدول عن الخطأ‪ ،‬وهو درس بليغ من دروس‬               ‫ومعرفة»‪ .‬وبعد أن انتهى اللقاء بتوجيه الدعوة له‬

‫العميد المتع ّددة‪ ،‬سواء على المستوى العلمي أو على‬       ‫بحضور المناظرة في بيروت مع «رئيف خوري»‬
                              ‫المستوى التربوي‬          ‫في موضوع‪« :‬أيكتب الأديب للعامة أم الخاصة»‪،‬‬

                   ‫هامش‪:‬‬

‫‪ .‬فصل من كتاب سيصدر قريبًا بعنوان «استرداد‬
     ‫طه حسين»‪ ،‬عن دار خطوط وظلال‪ ،‬الأردن‪.‬‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32