Page 32 - ميريت الثقافية العدد 30- يونيو 2021
P. 32
العـدد 30 30
يونيو ٢٠٢1
وبهذا المعنى ينبغي أن تتماهى شخصية الكاتب مع فالمسألة من المنظور الثقافي البحت تقتضي احترام
شخوص رواياته وقصصه ومسرحياته .ويعتبر الخصوصية الحضارية والأخلاقية لهذه المجتمعات
الأديب العالمي نجيب محفوظ واح ًدا من أبرز الأمثلة ذات المرجعيات الدينية والثقافية المختلفة ،وليس
على هذه الوجهة من النظر ،حيث رفض كتابة من الذكاء أو الفطنة أن ندعو للتحلل من ثقافتنا
سيرته الذاتية في كتاب مستقل لأنه وضعها في
وأخلاقياتنا وقيمنا التي يمليها علينا الدين أو
ثنايا أعماله الروائية والقصصية ،كما صرح بأن العرف الاجتماعي إذا ما تعارضت مع لون أدبي أو
شخصية كمال عبد الجواد في الثلاثية -على سبيل فني ،لمجرد أنه ازدهر في الغرب الذي لا يحمل نفس
المثال -هي شخصيته على الواقع. الأفكار والقناعات.
وحتى لا يكون كلامنا نظر ًّيا سوف نقدم نموذ ًجا فالمثقف العربي يدرك جي ًدا الاختلاف الجذري بين
تقاليده التي تربى عليها وتلك التي يعيش في ظلها
تطبيقيًّا غفل النقاد والمثقفون عن الإشارة إليه،
بالرغم من كونه ُيعد بمثابة المثال الأقرب لما ينبغي الكاتب الأوروبي ..كما يدرك أي ًضا تلك النزعة
الواحدية المهيمنة التي يمثلها النموذج الغربي ،ولا
أن يكون عليه أدب الاعتراف في المجتمع العربي، تحمل في طواياها ما يميزها عن النماذج الحضارية
وهو السيرة الذاتية للناقد والمفكر الكبير شكري
عياد المعنونة بـ»العيش على الحافة» .فكيف استطاع الأخرى الشرقية .إن محاولتنا الساذجة لنزع
عياد أن يعبّر عن تفاصيل حياته المخجلة دون أن «برقع الحياء» من على وجوهنا تش ُّب ًها بالآخر الذي
لا يشبهنا على الحقيقة ،إنما هي محاولة أشبه بمن
يخدش حياء القارئ؟ يدعو للتعري وتعريض الجسم لأشعة الشمس في
هذا ما سنتعرف عليه في السطور التالية:
بالرغم من أن عياد يعد قارئه بحديث حميمي محاكاة هزلية لمرتادي شواطئ العراة.
صريح ،شديد الوضوح ،إلا أنه ،لا يملك الجرأة إن الواقع الثقافي والأدبي قد أثبت وجود حاجز ما
الكاملة على التحرر من القيود التي كانت تكبله في
سنوات عمره الماضية ،والتي حاول أن يتحرر منها يمنع الأديب العربي من تخطي الخطوط الحمراء
في كتاباته الذاتية .وهذا الحاجز -المتشكل بفعل
في «العيش على الحافة».
فعياد ما زال يتوخي الحذر في التعبير ،ويعمل الأعراف والتقاليد الأخلاقية -هو الذي يجعل
للمجتمع وللأعراف ألف حساب .ففي حديثه عن الكاتب يقف على حافة البوح بحيث يأتي الاعتراف
رأيه في استاذه في المدرسة يقول« :أحب أن أقول لك منقو ًصا ،أو متوار ًيا .والحقيقة أن البوح عن طريق
إن كنت كاتب قصة أو تفكر أن تكون كذلك ،أقول الإيماء هو أي ًضا نوع من الاعتراف ،لكنه الاعتراف
لك بكل حزم أن شخصية الأستاذ( ..طب ًعا أذكر
أسمه ولكن ليس من اللائق أن أصرح به وأي ًضا لا الفني غير المباشر .ومعظم السير الذاتية العربية
أريد أن أدخل مع أبنائه أو أحفاده في مشكلات)». التي حاولت أن تخوض منطقة الاعتراف الملغمة
(ص)45 اتخذت هذا الشكل.
وعندما يتحدث عن جريمته الأخلاقية ،لا يقدم لنا وبهذا المعنى ستكون إجابتنا عن سؤال الاعتراف
تجربته بتفاصيلها الدقيقة كواقعة شخصية حدثت
في زمان ومكان محددين ،وإنما يقدم لنا النموذج، العربي بالإيجاب ،إذا ما اعترفنا بمشروعية
والبناء الكلي للوقائع باعتبارها ظاهرة عامة تتملكه «الاعتراف الضمني» أو «المستتر».
من آن لآخر كلما سنحت لها الفرصة وتوافرت إن ثقافتنا في الحقيقة ثقافة إضمار وإخفاء يحكمها
الظروف الخارجية المحرضة لها .فيقول: المبدأ الاجتماعي الشعبي «داري على شمعتك تقيد»،
«كنت أسير في طريقي في أمان الله ،أو لعلي كنت والمبدأ الديني« :استعينوا على قضاء حوائجكم
واق ًفا في صف للحصول على تذكرة ما ،أو أمام بالكتمان» .ونحن لا نرغب ،بذلك ،في تقديم نصيحة
صيدلي حتى يجيء دوري ليعطيني الدواء الذي
دعوية دينية أو رؤية إصلاحية اجتماعية ،وإنما
نعمل على تحويل كتابات الاعتراف المباشرة إلى لون
من الأدب ،بحيث تتحول الاعترافات من الأساليب
النثرية المباشرة إلى الأساليب الشعرية الموحية.