Page 93 - b
P. 93
السماء.”... ،
هذه السردية تقول إن (جبريل) لم يأت للنبي في الحقيقة وإنما
جاءه في المنام ،وهو ما يدحض الرواية الأولى ،ليس ذلك فقط ،بل
يقول إن (جبريل) ظهر له بعد ذلك في صورة رجل (قدماه في أفق
السماء) وأخبرة صراحة أنه رسول الله وأن محدثه هو (جبريل).
وبالتالي فالسردية التي تقول إنه عاد للبيت خائ ًفا وقال زملوني
زملوني ،وأن السيدة خديجة طمأنته وذهبت به إلى ورقة فأخبره
أنه نبي الله ..إلخ ،هذه السردية غير معقولة ولم تحدث أص ًل ،لأن
النبي لم يكن محتا ًجا لنبوءة ورقة ولا غيره ،فقد أخبره (جبريل)
بنبوته بشكل واضح وصريح ،ولم يكن خائ ًفا من الأساس ليقول
«زملوني» ،فابن هشام يذكر أن النبي ظل واق ًفا ثابتًا مكانه« :قال:
فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر ،وجعلت أصرف وجهي عنه في
آفاق السماء ،قال :فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ،فما زلت
واق ًفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعث ْت خديجة رس َل َها في
طلبي ،فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ،ثم
انصرف عني» .الرواية تذكر أن النبي و(جبريل) مك َثا وقتًا طوي ًل
أمام بعضهما ،حتى ذهب رسل خديجة إلى أعالي مكة وعادوا ،وأنه
كان ثابتًا ،فأين الخوف والارتجاف و»زملوني زملوني»؟
وعلى الرغم من الاختلاف بين الروايتين ،فإنهما تشتركان في
عناصرهما الأساسية :أن (جبريل) جاء للنبي في غار حراء وأملاه
الآيات الخمس الأولى من سورة القلم ،التي كانت بداية الوحي وأول
البعث .لكن ثمة روايات تنفيهما م ًعا تما ًما ،ففي تفسير القرطبي لآية
«اقرأ باسم ربك الذي خلق» يذكر أنه «قيل :إن أول ما نزل يا أيها
المدثر ،قاله جابر بن عبد الله ،وقد تقدم .وقيل :فاتحة الكتاب أول ما
نزل ،قاله أبو ميسرة الهمداني .وقال علي بن أبي طالب :أول ما نزل
من القرآن قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم».
93