Page 174 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 174

‫العـدد ‪31‬‬                                    ‫‪172‬‬

                                     ‫يوليو ‪٢٠٢1‬‬                              ‫العامل الديني فيتمثل في ال ِفقه‬
                                                                           ‫الذي اشتغل به الرجال‪ ،‬وتم ِمن‬
‫صديقنا القارئ أن هذا الأسلوب‬          ‫المجتمعات قدي ًما وليس المجتمع‬
   ‫في التفكير موجود لدى قطاع‬            ‫العرب ّي وحده‪ .‬وأن كثي ًرا من‬         ‫خلاله استثمار النص الديني‬
     ‫ممن ُيحسبون على المثقفين‬                                                ‫ليخدم العام َل الثالث ويك ّرس‬
                    ‫أنفسهم!‬          ‫المجتمعات المتح ّضرة قد منحتها‬          ‫له‪ ،‬وهو العامل الجنسي الذي‬
  ‫‪ -‬الفئة الثالثة والأخيرة تتمثّل‬    ‫حقوقها بالتساوي مع الرجل في‬            ‫أظنه أه َّم وأخطر تلك العوامل‪،‬‬
                                                                            ‫حتى ليبدو هو العامل الأساس‬
‫في قطا ٍع عريض من المرأة ذاتها‪،‬‬                         ‫عصرنا‪.‬‬                ‫والرئيس الذي يختبيء خلفه‬
  ‫يركن إلى ذلك القمع الذكور ّي‬         ‫ولا شك أ ّن كلمة المساواة تلك‬       ‫العاملان الأولان‪ ،‬ويمكن الجزم‬
   ‫العنصر ّي كزوجة حينًا ُتكبر‬                                                ‫عندي أن كل إشكاليات المرأة‬
                                          ‫ستثير ريبة ثلاث فئات في‬          ‫وقضاياها ممثل ٌة في هذا العامل‪،‬‬
‫سلطة زوجها و(تق ّدسها)‪ ،‬وكأ ٍّم‬                  ‫مجتمعنا العرب ّي‪:‬‬            ‫حتى أننا يمكن أن نلاحظ أن‬
          ‫أو أخ ٍت أحيا ًنا أكثر‪.‬‬                                            ‫العامل ْين الأولين «الاقتصادي‬
                                        ‫‪ -‬المتدينين من زاوية سلفية‬           ‫الاجتماعي والديني» قد َتخ ّففا‬
‫بل إ ّن كثي ًرا من النساء العربيّات‬   ‫انحبست عقولها في زمن نزول‬               ‫كثي ًرا من حمولاتهما بمرور‬
‫تعتبر كونها امرأة بمثابة رخصة‬          ‫النصوص‪ ،‬ولم تعط الدين ولا‬             ‫الزمن ودخول الحضارة‪ ،‬لكن‬
                                                                              ‫ظل العامل الجنسي قو ًّيا‪ ،‬بل‬
 ‫تستعين بها للظفر باستثناء ما‬            ‫نصوصه الحق في تأويلا ٍت‬             ‫إنه يزداد بمرور الوقت تغ ُّو ًل‬
   ‫يناسب ما تراه في نفسها من‬         ‫تنمو مع الزمن وتتسع‪ .‬وهؤلاء‬
    ‫ضعف وخاصة في مجالات‬               ‫أعادوا تدوير ميراث القمع ضد‬                            ‫وتوح ًشا‪.‬‬
                                     ‫المرأة ‪-‬القديم كما ذكرنا‪ -‬ولكن‬            ‫وهو ما أريد أن أتناوله ِمن‬
      ‫العمل والمواصلات وسبل‬                                                 ‫خلال قراءة مشهد تلك العلاقة‬
                     ‫العيش‪.‬‬              ‫في من َت ٍج يحمل خات ًما دينيًّا‬   ‫التي َربطت بين العربي القديم‬
                                       ‫وفق تص ّوراتهم هم‪ .‬وافتعلوا‬         ‫والمرأة‪ ،‬تلك العلاقة التي اتسمت‬
      ‫لذلك حرصت في مقالاتي‬                                                   ‫بالحب والعشق والغزل‪ ،‬حتى‬
    ‫السابقة أن أستخدم مفردة‬              ‫تعار ًضا بين مفهوم الطاعة‬            ‫أنها تركت لنا إر ًثا عظي ًما من‬
 ‫«تواطؤ» وكأن جميع الأطراف‬                ‫ومفهوم الحرية والكرامة‪،‬‬              ‫النثر والشعر‪ ،‬صار بمرور‬
 ‫ترتضي بالأمر الواقع إما تد ّينًا‬      ‫وكأن من وجبت عليه الطاعة‬               ‫الوقت واح ًدا من أهم ملامح‬
                                       ‫قد خسر هويته‪ ،‬وكأن الرجل‬               ‫الأدب العربي‪ ،‬حتى ل ُي َظن أن‬
        ‫وإما كرامة وإما أنوث ًة!‬     ‫منهم يستحيل أن يتص ّور فكرة‬            ‫المرأة كانت كن َز العرب ِّي و ُد ّرته‪،‬‬
      ‫وهذا لا يتنافى مع ميراثنا‬      ‫أن يطيع زوجته لو رأت صوا ًبا‪،‬‬         ‫ورغم هذا الظن إلا أن السيرور َة‬
     ‫الحاشد في أدبياتنا العربية‬       ‫فهو يستبعد الأمر من الأساس‬              ‫التاريخية لتلك العلاقة تثبت‬
       ‫بالعشق والحب والغزل‪.‬‬          ‫كي لا تنتقص كرامته ورجولته‪.‬‬
    ‫فالحب وحده هو الاستثناء‬          ‫‪ -‬أصحاب المنطق الذكور ّي وهم‬                         ‫العكس تما ًما!‬
‫الزمني الذي يجعل العقل العربي‬        ‫من يرون في ذكورتهم تلك أهلية‬
  ‫يعلي منزلة المرأة‪ ،‬لكنه استثناء‬    ‫خاصة‪ ،‬أو منزلة تعلو المرأة‪ ،‬في‬                 ‫(‪)6‬‬
    ‫مشروط بعاطفة وغرض لا‬                ‫خلط متراكم منذ قرون جعل‬              ‫الصديق الأستاذ‪/‬‬
                                     ‫الذكورية قرينة الكرامة والهيبة‬            ‫أشرف البولاقي‬
          ‫يخفى إلا على منكر‪.‬‬         ‫والحسم‪ ،‬وهؤلاء مث ًل‪ ،‬لا يمكن‬
  ‫ولأن هذا الاستثناء غير أصيل‬          ‫مناقشتهم في ولاية المرأة على‬        ‫نعم نحن متفقان على أ ّن تهميش‬
 ‫في العقلية العربية‪ ،‬فسرعان ما‬       ‫نفسها أو بيتها‪ ،‬فما بالك بولاية‬        ‫المرأة وإقصاءها أم ٌر عرفته ك ُّل‬
‫تنتهي صلاحيته بانتفاء السبب‪،‬‬
  ‫كما أن ذلك العاشق المتغزل لا‬                           ‫البلدان!‬
  ‫يعلي من شأن المرأة عمو ًما بل‬      ‫وهذه الفئة نخطئ لو تصورناها‬

     ‫هو يخاطب ليلاه فحسب‪.‬‬              ‫مقصورة في الريفيين أو أبناء‬
 ‫وإذا كنت أتفق معك في إشارتك‬               ‫الطبقات الشعبية‪ ،‬أو غير‬
  ‫إلى تأثير العامل الديني‪ ،‬فإنني‬
 ‫أتوقف أمام إشارتك إلى العامل‬        ‫المتعلمين؛ فالأمر أخطر من ذلك‪،‬‬
                                       ‫وربما لا يخفى عليك ولا على‬
   169   170   171   172   173   174   175   176   177   178   179