Page 185 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 185

‫الملف الثقـافي ‪1 8 3‬‬

         ‫أين تريدني أن أبدأ؟!‬         ‫مشهود باستنارتهم لا سلفيتهم!‬             ‫لا أستطيع التفاؤل مثلك يا‬
    ‫أهيب بك أن تظن أن البداية‬                ‫وربما يفعل ذلك تمري ًرا‬           ‫صديقي فأتحدث عن مكانة‬
‫تنطلق ِمن الحداثة أو المعاصرة!‬                                                 ‫المرأة المزعومة لدى كثيرين‬
    ‫لا أكاد أعرف أم ًة من الأمم‬       ‫بالتراضي مع مثقفة تدرك نهاية‬              ‫‪-‬وأظنّك لس َت منهم‪ -‬عند‬
     ‫استمسكت بتراثها‪ ،‬كالأمة‬             ‫الطريق الذي يراوغ صاحبنا‬              ‫شعراء العربية؛ فهي مكانة‬
 ‫العربية‪ ،‬ولا أكاد أعرف أم ًة من‬           ‫ويبذل الجهد فيه‪ ..‬إذن تم‬          ‫ملغومة في حقيقة الأمر‪ .‬وذلك‬
  ‫الأمم تستمد ثقاف َتها المعاصرة‬                                           ‫لأنني أتصور أن الشاعر العربي‬
                                       ‫تسليع المرأة كجسد من المتدين‪،‬‬          ‫‪-‬إلا من رحم ربي‪ -‬كان من‬
      ‫من تراثها القديم‪ ،‬كالأمة‬           ‫والغازي والمثقف‪ ،‬ويظل ‪-‬في‬           ‫أخطر الفئات التي تمس مكانة‬
  ‫العربية‪ ،‬ولا أ ّم ًة لا تزال حتى‬        ‫تصوري المتواضع‪ -‬أن أقل‬            ‫المرأة‪ ..‬فالشاعر العربي لم يكن‬
‫يومنا هذا ترى أن كتابها المق ّدس‬        ‫الفئات التي آذت المرأة العربية‬        ‫بوضوح الغازي الذي يسبي‬
    ‫لم يغادر صغير ًة ولا كبيرة‬               ‫هي فئة العوام البسطاء‪.‬‬         ‫ولا بوحشيته أو همجيته‪ ،‬لكنه‬
                                         ‫ويظل السؤال‪ ،‬كيف تواطأت‬           ‫وإن اختلف معه في الوسائل فقد‬
    ‫إلا أحصاها بالمعنى الحرفي‬                                               ‫اتفق معه في الغايات منذ القرن‬
  ‫للطعام والشراب‪ ،‬والكمبيوتر‬          ‫المرأة مع كل ذلك؟! أين كانت من‬        ‫الخامس ‪ -‬بدء وصول الأخبار‬
                                        ‫أي إضافة في أي حركة في أي‬              ‫عبر الشعر الجاهلي‪ -‬وحتى‬
        ‫والديمقراطية‪ ،‬وال ِّشعر‬                                                 ‫توقيت كتابة هذا البوست‪.‬‬
   ‫والحلوى‪ ،‬والمآتم والأعراس‪،‬‬         ‫مجال عبر التاريخ؟! أليس وجود‬            ‫فالمثقف العربي ‪-‬مع الإقرار‬
  ‫كالأمة العربية‪ ،‬أيكون مع ذلك‬          ‫نماذج مضيئة من النساء تعد‬            ‫ببعض الاستثناءات‪ -‬يستطيع‬
 ‫قد أغفل المرأ َة وحقوقها؟ حا َشا‬                                          ‫أن يتش ّدق بكل عبارات التضامن‬
                                      ‫وتحصى دلي ًل دام ًغا على كارثية‬        ‫مع قضايا المرأة‪ ،‬ويريق مئات‬
                      ‫وك ّل!‬            ‫وضعها؟ هل البدء من خطاب‬
 ‫لا يوجد أي تفسير للأزمة التي‬            ‫الدين؟ أم التعليم؟ أم الثقافة؟‬          ‫المصطلحات عن الحريات‬
  ‫تعيشها المرأة‪ ،‬فك ًرا وممارس ًة‬          ‫هل المثقف العربي ينقصه‬           ‫وانتهاك الجسد‪ ،‬وهو في حقيقة‬
‫إلا الثقافة‪ ،‬وفر ٌق كبير بين ثقافة‬
                                      ‫مفاهيم تجديد الخطاب‪ ،‬وينقصه‬             ‫الأمر بذلك يمهد طري ًقا مهما‬
   ‫حداثية أو معاصرة استطاع‬                      ‫تعليم صحيح أي ًضا؟‬           ‫طال أو تع ّرج ففي آخره غرفة‬
 ‫الغر ُب أن يجعلها ِسم ًة و َملم ًحا‬
                                         ‫هل المرأة العادية غير المنتمية‬          ‫نوم تحرسها أفكار ا ّدعاء‬
   ‫له‪ ،‬وبين ثقافة عربية تراثية‬          ‫للنخب المثقفة بالفعل تستطيب‬             ‫الاستنارة وتحرير الجسد‬
 ‫يرى أصحا ُبها أنها هي الأصل!‬                                                 ‫ورجعية المجتمع و‪ ..‬و‪ ..‬إلخ‪.‬‬
                                                      ‫ذلك الوضع؟‬           ‫بينما نفس هذا المثقف حين ُيقدم‬
   ‫أ ّما ما تتفضل أنت بالإشارة‬                                              ‫على الزواج فإن لديه مواصفات‬
 ‫إليه كمثقفين تارة‪ ،‬وكاستعذاب‬                 ‫(‪)15‬‬                          ‫أخرى وشروط متعارف عليها‬
  ‫المرأة تارة أخرى‪ ،‬وممارساتنا‬           ‫صديقي الأستاذ‪/‬‬
                                                                                       ‫شديدة التقليدية‪.‬‬
  ‫المتناقضة والصارخة تجا َهها‬              ‫عمرو الشيخ‬                           ‫المث ّقف العربي ‪-‬مع بعض‬
    ‫وتجاه قضاياها‪ ،‬فما هو إلا‬                                                   ‫الاستثناء‪ -‬يرتكب ذلك إما‬
 ‫إفرازات ونتاجات طبيعية لهذه‬            ‫نعم‪ ،‬وقف ُت طوي ًل أمام القرن‬         ‫تغري ًرا بمثقفة وافدة ساذجة‬
 ‫الثقافة التي تجدني أقف أمامها‬        ‫السادس الميلادي‪ ،‬وليت ِشعري‬           ‫صغيرة؛ ولدينا مئات القصص‬
                                                                           ‫في الوسط عن انتهاك أو تحرش‬
                     ‫طوي ًل‪.‬‬                    ‫أين تريدني أن أقف!‬              ‫قابلها الوسط الثقافي بر ًدا‬
   ‫ما الذي يجعل المثقف العربي‬          ‫تقول أنت إن القضية أو الأزمة‬             ‫وسلا ًما ربما لأن المتهمين‬
    ‫الذي تشير إليه يتشدق بما‬
    ‫يتشدق‪ ،‬بينما هو في حقيقة‬             ‫أبع ُد ِمن ذلك‪ ،‬حسنًا أبع ُد إلى‬
‫الأمر يمهد لغرفة النوم؟! أيكون‬         ‫أين؟ ما الذي نعرفه عن الثقافة‬
  ‫شيء آخر غير ثقافته العربية‬           ‫العربية أبع َد من ذلك التاريخ؟!‬
                                        ‫ولعلنا انتهينا من الإشارة إلى‬
     ‫التي لا يزال أسي ًرا لولعها‬       ‫أن كل الأمم والمجتمعات عرفت‬
                                      ‫ومارست هذا الذي نناقشه‪ ،‬ف ِمن‬
   180   181   182   183   184   185   186   187   188   189   190