Page 225 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 225
223 الملف الثقـافي
و ُهم أخي ًرا الذين ينظرون بمرور ال ِحقب والأزمان إلى ولم تن َس وأنت تع ّرض بهؤلاء
للتراث والماضوية باعتبارهما الجينات فيش ّكل التصورا ِت أن تستهجن موقفهم من اعتبار
الذهنية والمعرفية عن رؤية
النموذج والمثال ،فهل تراك العالم ،وإذا كان هذا الكلام حروب الإسلام غز ًوا وليس
تتصور أن أح ًدا من هؤلاء الذي أكتبه لك غير مد َر ٍك عند فت ًحا ،حينما تنفي عن نفسك
يمكن أن يقتنع أن عصرنا أهله وأصحابه المتش ّكلون به، امتلاك أي يقين كهذا الذي
هذا أفضل من عصر النبي أو فليس هذا إلا دلي ًل على الأثر
والمفعول السحري للتراث أمتلكه ،لكنك فجأة في معرض
الصحابة؟! نفسه ،فهو ليس شيئًا ماد ًّيا
لكن المثقف -اليساري تستطيع أن تضع يدك عليه استهجانك تقول« :ويقينًا
الأزمات الدينية لدى معظم
والعلماني والليبرالي لتهتف قائ ًل «الحق ..هذا
واللاديني -يمكن له أن تراث!». المثقفين مرتبطة بكل ما هو
يتصور هذا ،ويمتلك الحجج
والأدلة والبراهين لإثبات فإذا كان المثقفون بمختلف إسلامي ،ومن أراد التلطف أو
تصوره ،بينما يظل المثقف انتماءاتهم -اليساريون
اليميني المحافظ الذي غيّب َته الته ّرب فعاد ًة ما يلصق الاتهام
عم ًدا عن استدعائك يراه والليبراليون والعلمانيون إلى أدبيات الإسلام ،وبخاصة
الصورة المثلى المضيئة واللادينيون( -لا ِحظ مرة
أخرى غياب اليمينيين أو الفقه الإسلامي»!
والمشرقة! المحافظين!) أقول إذا كانوا
نعم ..الأزمات الدينية لدى قليلي العدد ،ضعيفي التأثير في تصوري المتواضع (والتصور
معظم المثقفين مرتبطة بكل -بشهادة الجميع -قيا ًسا
ما هو إسلامي ،كما تفضلت بغيرهم من العاديين أو العامة، لا يعني اليقين على الإطلاق-
بنعي ذلك عليهم ،والسؤال أدرك َت أن الأزمة لا يمكن أن
تتجلى عندهم أب ًدا ،فالإعلام كما لا شك تعرف) أن الأزمة
الآن ما دين الدولة التي المرئي والمسموع والمقروء،
ننتمي إليها؟ وإلى أي دين ليست في المثقفين الذين ف ّصل َت
تنتمي الأغلبية المصرية ِمن ليس جمي ًعا يسار ًّيا ولا انتماءا ِتهم ،لكنها في الوعي
س ّكان مصر؟ وإلى أي قانون علمانيًّا ،ومؤسسات التعليم
الأساسي والجامعي بأساتذتها العام ،في الثقافة العامة ،في المناخ
أحوال شخصية يستند
المشرع المصري في الحكم على ومعلميها ،ليسوا كذلك، العام ،في الميراث الضخم والثقيل
وممثلو المصالح الحكومية،
قضايا غير المسلمين؟! هل والباعة ،وسائقو القطارات الذي َيظهر تأثيره على العامة
أختتم أسئلتي تلك بالسؤال والبسطاء والدهماء أكثر من
الموجع والمؤلم؟ َحسنًا ..إلى وسيارات الأجرة ،وأهلي
أي دين ينتمي الإرهاب الذي وأهلك وجيراننا جمي ًعا ،ليسوا ظهوره عند المثقفين باختلاف
ر ّوع مص َر والعالم العربي كذلك ..وهؤلاء جمي ًعا ومعهم
انتماءاتهم وأيديولوجياتهم.
والإسلامي ومعظ َم دول كل الطوائف والجماعات
أوروبا؟! التي تشكل ِبنية المجتمعُ ،هم وإذا كنا متفقين على أن المثقف
لقد سبق لنا ،أنت وأنا، الذين يتعاطون هذا التراث عن لعياجس ٌزلتجمهالِ ًمها في العالم العربي
وآلاف غيرنا ،أن تحدثنا ويمارسونه على الأرض ،و ُهم ولا القيام بأي دور،
عن أن الموقف السلبي من أي ًضا الذين يشكلون الملامح لفسا ِده ،ولكن لغياب المعايير
المرأة ،موقف تاريخي يعود والآليات التي تجعل دو َره فاع ًل
بجذوره إلى مجتمعات ما قبل العامة والرئيسية للمجتمع، ومؤث ًرا ،أدركنا تما ًما أن إلقاء
التبعة أو التهمة عليه فيه ظل ٌم
و َتج ٍن كبيران.
إن فهمنا للتراث وقوته وتأثيره
يحتاج إلى مزيد من الإيضاح
والبيان ،فالتراث ليس مجرد
أفكار ومفاهيم ،ولا هو حتى
َت َب ٍّن لقي ِم ومباد َئ ماضوية ،لكنه
في ثقافتنا العربية والإسلامية
مك ّون نفسي وعقلي ،يتسلل