Page 227 - 31- ميريت الثقافية- يوليو 2021
P. 227

‫‪225‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫ح ّدث َتني كثي ًرا أنت نفسك عن‬     ‫ولكن تظل أزمة المرأة في العقل‬                 ‫القاعدة يا صديقي‪ ،‬وليس تنظيم‬
‫الأفكار والمساحات التي تريد‬                                                      ‫القاعدة؛ كي لا تكون كلمتي تلك‬
‫أن تخوضها في هذه المحاورة‬          ‫الدول‬    ‫اولاعرحبد ًةّي ِمقانئمرة‪،‬عاةوتتلظكل‬
                                   ‫الأزمة‪،‬‬                                             ‫قنبلتي السادس َة عشرة‪.‬‬
   ‫بجرأ ٍة أكثر‪ ،‬لكنك ‪-‬مثلي‪-‬‬                                                      ‫أتفهم مثلك أسباب عجز المثقف‬
   ‫غير قاد ٍر على هذا؛ بسبب‬        ‫فلا يخفى على فطنتك‪ ،‬بل فطنة‬                    ‫العربي عن القيام بدوره؛ نظ ًرا‬
‫غياب الحرية التي تمثل البع َد‬
   ‫المفقود في ثقافتنا العربية‬      ‫أي قارئ عاد ّي‪ ،‬تقليدية الدول‬                     ‫لمختلف الضغوط السياسية‬
                                   ‫العربية في الحفاظ على بقاء تلك‬                     ‫والاجتماعية‪ ،‬وأن ضغوط‬
              ‫والإسلامية!‬          ‫الأزمات حي ًة تضمن مع غيرها‬                     ‫التراث‪ ،‬وبخاصة الديني منه‪،‬‬
     ‫بالتأكيد‪ ،‬لا يمكن لهذه‬        ‫من الأزمات انشغا َل المواطن‪.‬‬                  ‫تنهب كل فرص نمو الوعي ح ًّرا‬
   ‫الضغوط أن تبرر للمثقف‬                                                          ‫خ ّل ًقا‪ ،‬ولكن هل هذه الصغوط‬
  ‫العربي ممارسا ِته تلك التي‬       ‫في وسط كل هذا‪ ،‬هل هناك‬                        ‫يمكنها أن تشكل مبررا ٍت مقنع ًة‬
  ‫َتفضل َت بالإشارة إليها‪ ،‬لا‬      ‫أم ٌل لخلاص المرأة أو مشارفة‬                       ‫تدفع مثق ًفا مستني ًرا ما إلى‬
  ‫التحرش‪ ،‬ولا الإساءة‪ ،‬ولا‬                                                         ‫أن يتحرش بامرأة؟ أن يسيء‬
   ‫الإهانة‪ ،‬ولا ه ْضم حقوق‬         ‫خطواتها الأولى نحو الخلاص‬                     ‫معاملة زو ِجه؟ أن يظلم أخته في‬
     ‫نسائه‪ ،‬ولا حتى خلعه‬
  ‫لقناع الاستنارة والعقلانية‬       ‫إلا لدى المثقف؟! المثقف الذي‬                                      ‫ميراث؟‬
 ‫وارتداؤه لقناع الأصولية في‬        ‫لا يخون ما ينادي به في الع َلن‬                    ‫يا صديقي‪ ،‬أنا مثلك‪ ،‬لكنني‬
                                                                                 ‫أضع ما َت َب َّقى من أم ٍل لد َّي فيما‬
           ‫بيتِه وبين أهلِه‪.‬‬       ‫وفضاءات الفيس‪ ،‬وقاعات‬                           ‫يتعلق بقضايا المرأة وحقوقها‬
   ‫وسط كل هذا المت َفق عليه‪،‬‬
                                            ‫الندوات‪.‬‬                                   ‫المسلوبة في رقبة المثقفين‬
            ‫تطرح سؤالك‪:‬‬                                                          ‫المستنيرين؛ ف ُهم آخر قش ٍة يمكن‬
‫«هل هناك أم ٌل لخلاص المرأة‬             ‫(‪)44‬‬
                                   ‫صديقي الأستاذ‪/‬‬                                   ‫التعلق بها‪ .‬ثم ما نسبة تأثير‬
  ‫أو مشارفة خطواتها الأولى‬                                                         ‫المثقفين في دوائرهم الضيقة؟‬
‫نحو الخلاص إلا لدى المثقف‪،‬‬          ‫عمرو الشيخ‬                                      ‫وأعلم ‪-‬مثلك‪ -‬صعوبة ذلك‪،‬‬
                                                                                    ‫لكنني أتحدث عن تصوراتك‬
    ‫المثقف الذي لا يخون ما‬         ‫حسنًا‪ ،‬يبدو أننا متفقان‪ ،‬ويع ّز‬                ‫عن جدية المحاولين؟ وفي نفس‬
‫ينادي به في الع َلن وفضاءات‬          ‫عليَّ كثي ًرا أن نكون متفق ْين!‬
 ‫الفيس‪ ،‬وقاعات الندوات؟!»‪.‬‬          ‫لا تندهش‪ ،‬فلا أظننا نتحاور‬                        ‫الوقت أسألك عن المثقفين‬
                                       ‫لنعلِن اتفاقنا‪ ،‬كما أن لذة‬                   ‫المستنيرين في الوسط الثقاف ّي‬
  ‫ِمن الصعب الرهان على أن‬             ‫الاختلاف أ َحب إل َّي ِمن لذة‬
‫خلاص المرأة يمكن أن يكون‬               ‫الاتفاق‪ ،‬ففي الأولى ُنع ِمل‬                    ‫بيننا‪ ،‬لكنهم أصوليون في‬
‫لدى المثقف‪ ،‬لماذا؟ لأن المثقف‬           ‫عقولنا‪ ،‬و َنشحذ أفكارنا‪،‬‬                                     ‫بيوتهم!‬
                                    ‫و َيدفعنا الاختلاف إلى البحث‬
  ‫بالصورة التي أشرنا إليها‬                                                        ‫يا صديقي إن ف ْهم الإسلا ِم هو‬
  ‫لا يمتلك دوائ َر التأثير ولا‬     ‫والتدبر‪ ،‬بينما في الاتفاق هدو ٌء‬                  ‫أحد التصورات التي ش ّكلت‬
                                         ‫وسكون لا أميل إليهما!‬                        ‫ِبنية العقل العرب ّي في كافة‬
    ‫مساحا ِت تشكيل الوعي‬                                                            ‫مناحي الحياة‪ ،‬ومنها نظرته‬
 ‫القادر َة على إيجاد ثغر ٍة َتنفذ‬     ‫متفقان أن المثقف يتعرض‬                         ‫إلى المرأة‪ ،‬لكن يظل الإسلام‬
 ‫منها فكرة الخلاص المأمول‪.‬‬            ‫لضغوط مجتم ِعه واستبدا ِد‬
‫وإذا افترضنا جد ًل أن أجيا ًل‬      ‫أنظمته‪ ،‬لكن الضغط الأكبر هو‬                   ‫بأدبياته وفقهه ومفاهيمه ‪-‬رغم‬
 ‫ِمن المثقفين السابقين الذين‬        ‫ضغط ثقافته التي نشأ عليها‬                      ‫هيمنته‪ -‬هو أحد مكونات ِبنية‬
 ‫مثّلوا المشروعا ِت النهضوي َة‬     ‫و َتنف ّسها منذ صغره‪ ،‬وتسللت‬                   ‫العقل العرب ّي‪ .‬سنختلف أحيا ًنا‪،‬‬
                                     ‫إلى جينا ِته‪ ،‬ومهما يزعم أنه‬
    ‫الكبرى في ثقافتنا‪ ،‬كانوا‬          ‫ح ٌّر في أفكاره وتصوراته‪،‬‬                      ‫ونتفق كثي ًرا‪ ،‬ونهتم أحيا ًنا‪،‬‬
     ‫أفض َل حا ًل في مواقفهم‬       ‫يظل أسي ًرا‪ ،‬إ ْن لم يكن للثقافة‪،‬‬              ‫وننسى أحيا ًنا‪ ،‬ونتغافل أحيا ًنا‪،‬‬
                                     ‫فلممثليها في محيطه‪ ،‬ولعلك‬
   222   223   224   225   226   227   228   229   230   231   232