Page 136 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 136

‫العـدد ‪32‬‬                          ‫‪134‬‬

                                    ‫أغسطس ‪٢٠٢1‬‬

     ‫حيوانات كانت في بيئه غير‬          ‫الخشية بل ثمرته الاختراعات‬           ‫يقول الغزالي‪« :‬ليس يخفى أن‬
   ‫بيئتهم‪ ،‬هل الدب الشمالي جاء‬          ‫والاكتشافات وزيادة الإنتاج‬         ‫العلوم الدينية‪ ،‬وهي فقه طريق‬
   ‫السفينه مث ًل‪ ،‬أين أثر انقسام‬        ‫وتحسن الصحة‪ ،‬فشتان بين‬             ‫الآخرة‪ ،‬إنما تدرك بكمال العقل‬
                                                                            ‫وصفاء الذهن‪ ،‬والعقل أشرف‬
     ‫البحر جيولوجيًّا؟ أين الأدلة‬                         ‫الثمرتين‪.‬‬
  ‫الأركيولوجية؟ وهل ح ًقا تمكن‬       ‫قال في هذا الصدد د‪ .‬علي جمعة‬           ‫صفات الإنسان ‪-‬كما سيأتي‬
  ‫إنسان من العيش كل هذه المدة‬                                                 ‫بيانه‪ -‬إذ به تقبل أمانه الله‬
                                          ‫في لقائه ببرنامج «درجات‬            ‫على الأرض‪ ،‬وبه يتوصل إلى‬
         ‫التي عاشها النبي نوح؟‬           ‫المعرفة»‪ :‬إن هناك فر ًقا بين‬
  ‫دقة العلم تفرض علينا كل هذه‬             ‫النص وبين تفسير النص‪،‬‬            ‫جوار الله سبحانه‪ ،‬وأما عموم‬
   ‫الأسئلة‪ ،‬فهل تقرأ سوره نوح‬           ‫والتفسير له أداته ومناهجه‪،‬‬            ‫النفع فلا يستراب فيه‪ ،‬فإن‬
  ‫مث ًل وفي ذهنك أن تفسر وتفند‬         ‫والعقل هنا سيدخل لاستعاب‬              ‫نفعه وثمرته سعادة الآخرة‪.‬‬
 ‫الأدلة أم تقرأها وأنت مؤمن بها‬          ‫المناهج والتفسيرات ليذهب‬             ‫أشرف موجود على الأرض‬
                                       ‫إلى النص ليفسره‪ ،‬حتى يطبق‬
         ‫ومؤمن أن قائلها الله؟!‬       ‫مقاصد الشريعة دون الخروج‬              ‫جنس الإنسان‪ ،‬وأشرف جزء‬
      ‫طبعا نحن لا نقرأها إلا من‬     ‫عن مقتضيات الإجماع والمصالح‬          ‫من جواهر الإنسان قلبه‪ ،‬والمعلم‬
   ‫أجل الهداية والموعظة‪ ،‬وهاتان‬     ‫واللغة‪ ،‬إ ًذا هذا علم وله علماء‪ ،‬أي‬
‫الكلمتان ليس لهما علاقة بالعلم‪،‬‬     ‫أنه وف ًقا لرؤيته لأننا نعمل العقل‬          ‫منشغل بتكميله وتطهيره‬
     ‫هما فقط لهما علاقة بالدين؛‬      ‫في استخراج الأحكام من القرآن‬          ‫وسياقته إلى القرب من الله عز‬
   ‫الذي يهتم بالروحانيات‪ ،‬فهو‬          ‫وف ًقا لمناهج‪ ،‬إذا كان ما نفعله‬
   ‫يهتم بأمور لا يهتم بها العلم‪،‬‬    ‫عل ًما‪ ،‬فهل هذا صحيح أم لا؟ هل‬                                ‫وجل‪.‬‬
   ‫العلم لا يعطي وز ًنا للعنعنات‬     ‫مجرد استخراج أحكام من نص‬              ‫كل ما سبق مقتطفات من آيات‬
  ‫والإجماع‪ ،‬العلم لا ُينتج بشكل‬
  ‫شفاهي‪ ،‬ولا يوجد علماء عدول‬                 ‫يسمي هذا الفعل عل ًما؟‬            ‫قرأنية وأحاديث ومن الأثر‬
      ‫وآخرون غير عدول يكذب‬          ‫فيما سيأتي سيتم توضيح الفرق‬               ‫كلها أتت مواضع كلمة علم‬
‫علمهم‪ ،‬لأن الشخصنه ليست من‬                                                   ‫فيها بمعني الحلال والحرام‬
‫الطريق العلمي بشيء‪ ،‬بل الدليل‬                         ‫بين المنهجين‪.‬‬          ‫للفوز بالجنة‪ ،‬وعلم قائم على‬
     ‫والتجريب وإعادة التجريب‬             ‫إنك تستخرج الأحكام وأنت‬             ‫الإيمان وليس التجريب‪ ،‬علم‬
‫وإعطاء نفس النتيجة هي الطريقة‬          ‫واضع مبدأ مسبق أنك مؤمن‬               ‫من أجل العمل به وليس علم‬
   ‫العلمية‪ ،‬فعندما اخترع إدوارد‬        ‫بها‪ ،‬وأنها من عند الله‪ ،‬فليس‬        ‫من أجل التحكم والتنبؤ‪ ،‬وكلمة‬
   ‫جينر علا ًجا للجدري لم نهتم‬       ‫هذا بعلم‪ ،‬المنهج العلمي ليس به‬         ‫عقل جاءت بمعني الأداه التي‬
  ‫إذا كان عالمًا عد ًل أو غير عدل‪،‬‬   ‫إيمان مسبق وليس به ثبات‪ ،‬بل‬         ‫تعرف أوامر الله لطاعته ومعرفة‬
       ‫فالنتيجة هي التي حكمت‪،‬‬       ‫العلم نسبي‪ ،‬أما الدين فنؤمن به‬           ‫محرماته لاجتنابها‪ ،‬ولم تأ ِت‬
    ‫ونتيجة العلم في الدنيا نراها‪،‬‬    ‫إيما ًنا مطل ًقا‪ ،‬إذا أردت أن تجعل‬  ‫مث ًل على أنها الأداة التي تساعدنا‬
  ‫أما الدين فإحساس داخلي وفي‬          ‫الدين عل ًما فعندما تحكي لنا أن‬       ‫في البحث عن قوانين الطبيعة‪.‬‬
     ‫الآخره نرى النتيجة‪ ،‬شتان‬          ‫نو ًحا النبي عندما جمع جميع‬       ‫فشتان بين الدين والعلم؛ فالأول‬
  ‫بين منهج يتحدث بأدلة واقعية‬          ‫مخلوقات الأرض ذك ًرا وأنثي‬           ‫يعتني بالمشاعر والروحانيات‬
 ‫ومنهج يتحدث بإيمان بلا دليل‪،‬‬           ‫قبل الطوفان‪ ،‬فعليك أن تقدم‬          ‫ومسلكه طريق الآخرة ومبدأه‬
   ‫فلا أحد بيننا شاهد الجنة ولا‬       ‫أدلة على وجه الدقة وترينا آثار‬        ‫الطاعة‪ ،‬والثاني مبدأه السؤال‬
‫النار ولا الجن ولا الشياطين ولا‬       ‫الطوفان وكيف نقل المخلوقات‬          ‫ومسلكه تفسير قوانين الطبيعة‬
                                       ‫هذه؟ وهل كان الأسد بجانب‬               ‫وأداته التجريب وليس كتا ًبا‬
                       ‫الملائكة‪.‬‬          ‫الغزالة في السفينة؟ وكيف‬           ‫مسطو ًرا‪ ،‬يقول الغزالي‪ :‬فإن‬
 ‫إن استخراج الأحكام من النص‬             ‫توفر الغذاء للفيل الذي يأكل‬
                                      ‫أطنانا يوميًّا؟ وكيف جمع نوح‬              ‫الخشية ثمرة العلم‪ ،‬طب ًعا‬
    ‫المقدس بهدف العمل به ليس‬                                                 ‫هذا في العلوم الدينية‪ ،‬بمعني‬
                                                                             ‫أصح في المعارف الدينية‪ ،‬أما‬
                                                                             ‫العلم الحقيقي فثمرته ليست‬
   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140   141