Page 106 - ميريت الثقافية رقم (34)- أكتوبر 2021
P. 106

‫تعمل وفق سرد بانورامي يتنقل من الشعر والفن‬                     ‫نجد كافة تداعيات الحرب‬
     ‫والسياسة والحياة العادية بشكل فيه كثير من‬
                                                            ‫مرصودة في إطار سرد يحاول‬
 ‫التدفق والسلاسة والشعرية‪ ،‬يعمل التكرار في هذه‬
  ‫القصة على إنتاج قدر كبير من التماسك والترابط‪،‬‬               ‫التخفف من الحدة عبر نبرة‬
 ‫وجعل ملامح العالم الذي تطرحه القصة عالمًا ناب ًعا‬
                                                            ‫شعرية‪ ،‬وهي تداعيات كثيرة‬
     ‫كله من مأساة السياسة التي تنعكس على كافة‬
‫جوانب الحياة الأخرى‪ .‬فنجد أن هناك تكرا ًرا لمقطع‬          ‫وأشبه بزلزال‪ ،‬يواجهه الإنسان‬
 ‫استهلالي هو «في عام الحزن ظهرت بوادر الحكمة‬                  ‫بصمود كبير تشبًثا بالحياة‪،‬‬

      ‫على شاعر منسي‪ .‬قيل إنه أكثر من استعمال‬                 ‫ولكن ما يعنينا هنا هو تلك‬
    ‫الكلمات بتقفية مذمومة عند فصحاء العرب‪ ،‬لذا‬
 ‫أرسلوه إلى مدرسة تختص بالإتيكيت ليتعلم معنى‬               ‫الحال من الفنتازيا التي تجعل‬
 ‫انتقاء القوافي الصعبة وركبوها عند الحاجة»‪ ..‬وفي‬
  ‫مقطع آخر لاحق في القصة ذاتها‪« :‬في عام الحزن‬             ‫الحرب توقف العمر وتثبته عند‬

      ‫ظهرت بوادر الحكمة على شاعر منسي‪ ،‬لكنه‬                                   ‫نقطة معينة‬
  ‫كان صغي ًرا على احتضان النساء‪ ،‬لذا أرسلوه إلى‬
                                                        ‫القصة نموذ ًجا لتوظيف الأغنية في السرد لديها في‬
                      ‫مدرسة لتحميض الصور»‪.‬‬                 ‫المجموعة بشكل عام‪ ،‬من حيث الاندماج في بنية‬
 ‫ليكون هنا مزج بين الوحدات الثابت منها والمتغير‪،‬‬
  ‫ولكل منهما وظيفته الفنية التي تنتج قي ًما جمالية‬      ‫القص وأن يكون منت ًجا للدلالة أو يمنح أف ًقا رمز ًّيا‬
                                                          ‫أو يتعاضد مع العلامات الأخرى لإنتاج الدلالة‪،‬‬
  ‫ودلالية م ًعا‪ ،‬ويسهم في تشكيل ما يسمى بذاكرة‬
   ‫النص‪ ،‬كما أن الوحدة الثابتة أو المكررة تنتج ما‬      ‫فنجد هنا أن الأغنية كانت دالة على نبوءة للمستقبل‬
  ‫يشبه القافية في السرد‪ ،‬وهي القيمة المهيمنة التي‬                     ‫الذي لم ينكشف إلا في آخر القصة‪.‬‬
 ‫تصنع شعرية السرد وشعرية العالم المسرود عنه‬
‫على السواء‪ ،‬وهي قيم جمالية تخفف حدة هذا العالم‬             ‫والفنتازيا تبدو لديها نس ًقا عا ًّما وليست مجرد‬
‫ومشاكله ووطأة الفساد فيه‪ ،‬وما يسبب من انهيار‬             ‫التماعات طارئة‪ ،‬بل هي حال من العبثية والغرابة‬
 ‫عام لكافة مظاهر الحياة‪ ،‬وبالتالي انهيار للقيم التي‬       ‫المتناسبة مع غرائبية الحياة والواقع الذي يهيمن‬
  ‫تجرف الإنسان أمامها‪ .‬وفي هذه القصة قدر كبير‬
‫من التجريب البنائي‪ ،‬ويتأسس السرد على حال من‬                ‫عليه التفكك والتهدم ولا يجد الإنسان لمقاومته‬
   ‫التحرر والانطلاق والاستدعاء الحر من الذاكرة‪،‬‬          ‫إلا أن يجاري كل هذا‪ ،‬فنجد مث ًل في قصة أخرى‬
   ‫وفيها تعدد في أنماط الراوي فنجدها تتوزع بين‬           ‫أن التقفية السلبية عند الشاعر تحتاج إلى مدرسة‬
‫الراوي العليم والراوي المخاطب في نوع من التحول‬
 ‫والمغايرة في مستويات السرد وإيقاعاته بين النبرة‬           ‫لتعليم الإتيكيت لتعلم انتقاء القوافي‪ .‬وتتنقل في‬
‫الهادئة والنبرة المنفعلة أو ذات التبئير الداخلي‪ ،‬الذي‬  ‫سردها بين الشعر والقوافي وتربية القطط والحديث‬
‫يكشف عن مشاعر الشخصية وانفعالاتها وموقفها‬
                                                           ‫عن السجائر والسياسة وأضرارهما م ًعا‪ ،‬بمثل‬
                                  ‫من هذا العالم‪.‬‬           ‫ما تتحدث عن التونة والأطعمة في تركيب أشبه‬
    ‫والحقيقة هي مجموعة على قدر كبير من الثراء‬          ‫بحالات القفز والرقص بين معاني الحياة ومشاكلها‬
‫والاختلاف والمغايرة وحافلة بالتجريب‪ ،‬ولها لغتها‬        ‫وما يصطدم بالإنسان بشكل دائم أو يعوقه ويحدد‬
     ‫الخاصة‪ ،‬وتحتاج إلى مزيد من التأمل والقراءة‬
                                                                       ‫حرياته أو يقلص حقوقه البديهية‪.‬‬
                                         ‫والنقد‬              ‫وفي قصة «مسرحية» نجد حا ًل من التجريب‬
                                                        ‫السردي الثري والطريف‪ ،‬وتكاد تكون هي القصة‬
                                                            ‫الأكثر أهمية والأكثر ثراء في المجموعة‪ ،‬لكونها‬
   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110   111